موضوع حول الذوق العام وتجلياته

كلمة الذوق العام، يُقصد بها انضباط الإنسان بالقيم والآداب الاجتماعيَّة للمجتمع الذي يعيش فيه، ويهيمن النظام على الذوق العام في كثير من الدول، ويردع مَن خرج عنه وأساء، وهو يقترب إلى حدٍّ كبيرٍ مع ما يُسمِّيه البعض بالإتيكيت أو البروتوكول. ومن المعلوم أنَّ أبرز ما يُميِّز الإنسان على الحيوان هو العقل، فالعقل يصنع، والأدب يرتقي. إذًا فالذوق والإنسانيَّة بينهما علاقة متينة، كلما ازداد أحدهما، دل على زيادة الآخر، وهنيئًا للإنسان الذي يرزق بالذوق.
سُئل العباس -رضي الله عنه-: أنتَ أكبرُ أمْ النبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟ فقالَ: «هُو أكبرُ منِّي، وأنَا وُلدتُ قَبَلَهُ».
ورأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نارًا في اللَّيل موقدة، فأراد أنْ ينادي أهلها، فقال لهم: «يا أهل الضوء»، تحاشى أنْ يناديهم «يا أهل النار». والإنسان المتميِّز بالذوق يخاطب الملوك والأمراء بما يليق بمقامهم، وكذلك الحال عندما يخاطب أهل العلم وكبار السِّن بما يحفظ لهم مكانتهم، وفي هذا السياق نضرب بعض الأمثلة عن بعض المواقف التي يغيب عنها الذوق العام: – سقط رجل مُسنٌّ عند مدخل مسجد، بعدما تعثَّر بأحذية مبعثرة. – رمى أحدُ الشباب ما تبقَّى من كأس القهوة على الأرض، وشاهده أحدُ المارَّة وأخبره بأنَّ برميل النفايات قريب منه، فردَّ: هذا شغل عمَّال النظافة!.
– في طريق الكورنيش، وفي غيره، هناك أماكن عديدة مخصَّصة للمشاة في الطريق، ولعل من المدهش أنَّ بعض السائقين لا يعبأ بالأمر، ولا يمهل المارة لاستخدام حقوقهم.
– في صلاة الجمعة يأتي البعض في وقتٍ متأخِّر، ويريد أنْ يلحق بالصَّلاة، فيقف بسيارته ويغلق الطريق ظنًّا أنَّ في وسعه الخروج المبكر، واستدراك الخطأ، ويقف الآخرون في انتظار قدومه، ويدهشهم بقوله: لم يخطر على بالي أنَّكم لا تُصلُّون السُّنَّة! والذوق يتجلَّى أيضًا عند زيارة المريض، وقد حرص أهل العلم والفضل على اختصارها، وشبَّهوها كجلسة الخطيب.. يعني على المنبر يوم الجمعة بين الخطبتين.
والإسلام لم يترك لنا أيَّ شاردة أو وارده في كثير من أمور حياتنا، ومنها آداب المؤاكلة (سمِّ اللهَ وكُلْ بيمينِكَ وكُلْ ممَّا يليكَ).
وهناك آداب عديدة في البيع والشراء، ومظاهر ذوق كثيرة كقيادة السيَّارة، أو الصدقة على الفقراء والمساكين، وآداب السفر، وغير ذلك.
ولعلِّي أختمُ بقصَّة رواها لنا الدكتور عبدالرحمن الحمودي أحد كبار رجال المراسم الملكيَّة أنَّ الملك فيصل في إحدى رحلاته الخارجيَّة في طائرة الخطوط السعوديَّة استأذن للذهاب للتواليت، وغاب بعض الوقت، فذهب الأخ عبدالرحمن، وقرع باب التواليت، فرد بما يوحي بانشغاله، وبعد خروجه التفت للأخ عبدالرحمن يسأل: ماذا تريد؟، فردَّ قائلًا: «أبطيت علينا يا طويلَ العمر»، فأخذه من يدهِ وقال: اقرأ يا عبدالرحمن ما هو مكتوب: (فضلًا تنظيف المكان تقديرًا لمَن سيأتِي بعدكَ)، وأنا توضَّأت وتناثرَ بعضُ الماء، وقمتُ بنظافته. يا له من درس رائع من الملك في الذوق العام.