التطوع في الحرمين المقدسين

إذا كان التطوُّع مهمًّا في حياة البشر، ويُعدُّ شكلًا مميَّزًا من العمل الإنسانيِّ الذي يمارسه الإنسان طواعيةً؛ ابتغاء وجه الله، وخدمةً للمجتمع، وتحسين الحياة، وتحقيق معايير جودتها الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة، فإنَّه في الحرمين الشَّريفين يحمل ميزةً خاصَّةً جدًّا، تمتزج بالأجواء الروحانيَّة الفريدة من نوعها، والتي لا تكون إلَّا في رحاب الأماكن المقدَّسة التي تتضاعف فيها الأجور، وتحل البركات، وكل ذلك ينعكس إيجابيًّا على نفسيَّة وسكينة وطمأنينة قاصدي الحرمين الشَّريفين من الحجَّاج والمعتمرِين، حيث يجتمع شرف المكان والزَّمان، وبمعيَّة الإنسان السعوديِّ الذي تفرَّد بروح العطاء الاستثنائيَّة، التي مَنَّ اللهُ عليه بها، في ظلِّ قيادة رشيدة تؤمن حقيقة رسالة الحرمين الشَّريفين في نشر قيم الإسلام المعتدل الوسطي المحب للخير والسَّلام لكلِّ البشر على كوكب الأرض، ونحن من اختصَّنا اللهُ بخدمة الحرمين الشَّريفين، نعي جيِّدًا هذا الدور، وهذه المهمَّة السَّامية المقدَّسة، فتجلَّى وترجم كلَّ هذا من خلال العمل التطوُّعيِّ المعتمد من الدولة، وعبر منصَّة العمل التطوعيِّ، حيث تُتاح الفرص التطوعيَّة للرِّجال والنِّساء؛ ليكونوا سفراء للتطوُّع في أقدس وأطهر بقاع الأرض.
التطوع يقدم فرصة للمتطوعين؛ لتطوير مهاراتهم، ويعزز من الثقة بأنفسهم، ويوسع الشبكات الاجتماعية، والتعرف على أشخاص جدد، وتكوين علاقات اجتماعيَّة قويَّة، ويعزِّز من إحساسهم بالانتماء؛ ممَّا يُولِّد شعورًا بالرَّاحة النفسيَّة والسَّعادة عند مساعدة الآخرين. وها هي إجازة نهاية العام الدراسيِّ قد بدأت، فما أجمل أنْ ينطلق شبابنا وفتياتنا للانخراط في العمل التطوُّعيِّ في رحاب المسجد الحرام، والمسجد النبويِّ، ويستثمروا أوقاتهم فيما يعود عليه بتجربة روحانيَّة دينيَّة وطنيَّة عظيمة؛ لنكون جميعًا ممَّن يشاركون في تحقيق مؤشرات معايير جودة الحياة، وتعزيز قيمة العمل التطوعيِّ في المجتمع السعوديِّ لدى كافَّة شرائح المجتمع.
الشباب السعودي اليوم، يحملُ روحًا متَّقدةً بالعطاء المضاعف، واتَّضح ذلك جليًّا في تجاوز المستهدَف بتحقيق مليون متطوِّع؛ ليكون المستهدَف القادم أكبر؛ لأنَّهم مؤمنون بأنَّ توجيهات خادم الحرمين الشَّريفين، وسمو ولي العهد -حفظهما الله- لها في نفوسهم القدر الكبير، والمكانة العظيمة، فالقيادة والشعب روح واحدة، هناك مَن يخطِّط، ومعه الشعب كلُّه ينفِّذ بمعايير احترافيَّة عالية الجودة والاتقان.
وضمن منظومة العمل المؤسسيِّ المتكامل، عمدت رئاسة الشؤون الدينيَّة، بقيادة معالي رئيس الشؤون الدينيَّة بالمسجد الحرام والمسجد النبويِّ الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن السديس على اعتماد فرص تطوعيَّة، تهدف إلى تعظيم شعيرة خدمة قاصدي وقاصدات الحرمين الشَّريفين، وتحقيق تجربة روحانيَّة للزَّائرين والزَّائرات.
فرص متنوِّعة يجدها الباحث عن الأجر والثواب، عبر المنصَّة الوطنيَّة للعمل التطوعيِّ؛ لتكون متاحةً لكلِّ مَن يجد لديه العلم والقدرة والمعرفة لإثراء تجربة زائري وقاصدي الحرمين الشَّريفين.
ويبقى للمرأة السعوديَّة بصمتها الخاصَّة؛ لتؤدِّي دورها الوطنيَّ والدينيَّ في كلِّ مجال، وللعمل التطوعيِّ حيِّز في حياتها؛ لتقوم بدورها بكلِّ اقتدارٍ، وهي تستشعر أنَّها حفيدةٌ لأُمَّهات المؤمنِينَ -رضوانُ اللهِ عليهنَّ-. نعم نحن هنا في السعوديَّة، نكتبُ للتاريخ قصصًا متنوِّعة للنجاح المتميِّز، وببصمة سعوديَّة في خدمة ضيوف الرَّحمن، وفي كل بيت سعوديٍّ تجد مواطنًا سعوديًّا ينتمي لكلِّ قطاعات الدولة الحكوميَّة، وكذلك القطاع الخاص، وغير الربحيِّ المتمثِّل في المتطوِّعين؛ ليؤدُّوا هذا الدور العظيم، فسجِّل يا تاريخ بمداد من نور، أفعال ومنجزات الرِّجال والنِّساء العظماء في البلد العظيم، وبقيادة عظيمة. فاللَّهمُّ باركْ وتقبَّلْ منَّا جميعًا كلَّ عملٍ نقدِّمهُ بينَ يديكَ.