الابتعاد عن الزواج: ما الأسباب؟!

الابتعاد عن الزواج: ما الأسباب؟!

عنوان تساؤل مطروح، يفرضه واقع كثير من الشباب، الذين مضى بهم العمر دون زواج، والإجابة لا شكَّ أنَّها تشير إلى جملة من الأسباب القاهرة، التي حالت بين الشباب من الجنسين، وسُنَّة الزَّواج.. تلك السُّنَّة الربانيَّة، التي لا قوام للحياة من دونها، ولا استمراريَّة للنَّسل إلَّا بها، فما هي الأسباب، التي تقف خلف ذلك العزوف؟ فكان من نتاجها أنْ فضَّل الشَّباب حياة العزوبيَّة على الزَّواج، والوحدة على أنْ يكون بجواره شريك حياة، يأنس بقربه، وعند نوائب الزَّمان يأخذ بيده، ويشد من أزره.

لا أحدَ من الشباب إجمالًا يؤجِّل الزَّواج لمجرَّد التأجيل، ولكنَّها أسباب قاهرة، هي من القوَّة أنْ دفعتهم إلى إخراج فكرة الزَّواج من رؤوسهم، أو قُل -في أقلِّ أحوالِهِم- الهروب إلى فسحة أمل من لعلَّ، وعَسَى.. يأتي في مقدِّمتها ضعف القدرة الماديَّة لدى البعض، فقياسهم على أنَّ دخله بالكاد يكفيه، فكيف له بذلك الدَّخل إقامة بيت زوجيَّة له متطلَّبات ماديَّة كبيرة، هي أكبر من قدرات ذلك الدَّخل؟! وفي ذات السياق، تقف تكاليف الزَّواج الباهظة حائلًا بين الشَّباب، وما يشتهُون، وهنا نعود إلى ما حذَّر منه العارفُون بواقع الحال، في كون تلك التكاليف سوف تجعل الشَّباب يُحجِمُون عن الزَّواج، وقد كان، ثمَّ إذا ما استطاع الشاب تجاوز ذلك، وتمَّ له الزَّواج، فإنَّ ما بعد الزَّواج أشدُّ مرارة، والزَّوج يقف مكتوف الأيدي، وهو يقرأ قائمة الطَّلبات، وليس لديه قدرة ماديَّة تغطِّي كل ذلك؛ ممَّا يباشر أثرًا على العلاقة الزوجيَّة، التي يسوء بها الحال، إلى حد الدخول في نفق جملة من المشكلات، وما قد تُفضي إليه من الوصول إلى أبغض الحلال، الذي تنامَى إلى حيث الوصول إلى أرقامٍ عاليةٍ، وجب معها التوقُّف بالدِّراسة، والبحث، وفرض الحلول.

القدرة الماديَّة أساس في استمراريَّة الحياة الزوجيَّة، والشاب اليوم مطالب بدفع تكاليف باهظة في الزَّواج، وبعده، فكيف له أنْ يفي بكل ذلك، وهو قد دَخَلَ عشَّ الزوجيَّة بقائمةِ ديون؟!

التيسير في تكاليف الزَّواج حان وقته، بعد كل ما مضى من التكاليف الباهظة، فلا معنى لتكاليف زواج هي أكبر من قدرة الشباب، ولا معنى لتكاليف يدخل الشاب بعدها في أزمة من سداد قروض، وديون يبدأ همُّهما من أوَّل خطوة في مشروع الزَّواج، فكيف تجد السَّعادة إلى ذلك العش المُتخم ديونًا، المتلبِّس هم سداد طريق؟!

ثم في القناعة طريق نجاة، ودوام حياة زوجيَّة ترى في الزَّواج رباط مودَّة ورحمة، وعقد شراكة يدعم الزَّوجان فيه بعضهما ليكيفا حياتهما على قدر ظروفهما، فلا ينظران إلى بذخ هنا، أو رفاهية هناك، فلكلٍّ قدراته، وظروفه، والسعيد مَن عاش حياته كما هي استطاعته، وحد قدراته، لا كما هي تطلُّعات أحلامه، وحديث أمنياته.

لنصل إلى أنَّ عزوف الشَّباب عن الزَّواج ظاهرة غير صحيَّة، وأنَّ تأخُّر الزَّواج له آثاره، وتبعاته على الطَّرفين، ولمن يسأل عن الحل، فلا أكثر من أنْ يتخلَّى المجتمع عن كلِّ تلك المظاهر المصاحبة للزَّواج من مغالاة، وإسراف، وتبذير، وأنْ يستشعر كلُّ أبٍ، وأُمٍّ أنَّ ما يقصمان به ظهر مَن تقدَّم اليوم لخطبتها سوف يعود غدًا بآثاره السلبيَّة الكبيرة على بيت ابنتهما، الذي هو مملكتها، وموطن سعادتها.

فهل من عودة مجتمعيَّة داعمة لمشروع زواج مبارك، تُيسِّر على الشَّباب، ومن الجنسين إدراك نعمة الزَّواج، آخذةً في اعتبارها أنَّ معيار الأكثر بركة في الزواج -كما هو حديثه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لمْ يكنْ إلَّا لمَن كانت أقلَّ مؤونةٍ. فهل مِن وعي مجتمعيٍّ يدرك، ويثمِّن قيمةَ ذلك؟ نتفاءل، ونؤمِّل أنْ يكون ذلك.. وعِلمي وسلامتكُم.

[email protected]

@KhalidMosaid