«التقييم التعليمي».. تأثير سلبي على ثقافة ووعي الطلاب

«التقييم التعليمي».. تأثير سلبي على ثقافة ووعي الطلاب

في عصرنا الحالي، يشهد مفهوم التربية تحوُّلات جذريَّة؛ نتيجةً للتطوُّرات التكنولوجيَّة والاجتماعيَّة السَّريعة.

ومع انتشار الإنترنت والرقمنة، أصبح الوصول إلى المعلومات والمعرفة أكثر سهولةً من أيِّ وقت مضى.

ومع ذلك، يطرح هذا التحوُّل تساؤلات حول طبيعة التربية الحديثة، ودور التكنولوجيا في التعليم، وأثرها على العمليَّة التربويَّة، وذلك بهدف تحديد أفضل السبل لدمج التكنولوجيا في التعليم دون المساس بالقيم والمعايير التربويَّة الأساسيَّة.

فيما يرى البعض أنَّ تحوُّل التربية إلى محتوى قابل للمونتاج يهز وعي وثقة الطلاب؛ لبعده عن الحقيقة.

تذهب د. أمل الجودر، ممارس مرخَّص في علم النفس الإيجابي، إلى أنَّه في المجتمعات العربيَّة، لطالما كانت التربية شأنًا داخليًّا، يرتكز على التفاعل اليومي بين الآباء والأبناء، بعيدًا عن الأعين.

إلَّا أنَّ التحوُّل الرقميَّ الكاسح، وثقافة «المشاركة الدائمة»، غيَّرا ملامح هذا الفعل العميق؛ لينزلق في كثير من الأحيان نحو ما يُمكن تسميته بـ»الاستعراض التربوي»، ومنه مقاطع مصوَّرة لآباء وأُمَّهات يقدِّمون لأبنائهم دروسًا في الأخلاق أو المهارات، ومشاهد متكرِّرة لتصرُّفات الأطفال، مع عبارات التشجيع أو التأديب، وكلها تُعرض للعامَّة تحت شعار «نشر الوعي التربوي».

غير أنَّ هذا السلوك، وإنْ بدا في ظاهره تربويًّا، يحمل في باطنه تساؤلات حول الدوافع، والآثار النفسيَّة طويلة المدى.

وأضافت الجودر، من منظور علم النفس الإيجابي، تُبنى التربية الفعَّالة في بيئة آمنة، يحكمها الإحساس بالقبول والخصوصيَّة، وحين تُوجَّه الكاميرا نحو الطفل في لحظة انفعاليَّة، أو تعليميَّة، يتحوَّل التعلُّم من تجربة وجدانيَّة خاصَّة إلى عرض رقميٍّ موجَّهٍ لجمهور غير مرئيٍّ.

وبدلًا من بناء ثقة الطفل الداخليَّة، نغرس فيه وعيًا زائفًا بذاته، قائمًا على ردود الفعل الخارجيَّة.. وأضافت: لسنا ضد التوعية، أو تبادل الخبرات، بل ضد تحوُّل العلاقة التربويَّة إلى مشهد قابل للمونتاج والنشر، يُقيَّم بعدد الإعجابات، لا بجودة الأثر.

نوايا حسنة ولكن..

وترى الدكتورة منى الزهراني، اختصاصيَّة علم نفس الطفل، أنَّ التربية مسؤوليَّة خاصَّة، وكل ما يُنشر من تفاصيل حسَّاسة، قد يترك آثارًا نفسيَّة دائمة على الطفل. والبعض يستخدم أبناءه كوسيلة لزيادة عدد المتابعين دون إدراك للأذى النفسيِّ المحتمل، واتَّفق معها ناصر الحربي، مستشار تربوي، بقوله «قد تكون النية حسنةً أحيانًا، لكن غياب الضوابط يجعل الطفل عرضةً للتنمُّر، أو المقارنة، أو حتى فقدان الشعور بالأمان داخل أسرته. الخصوصيَّة هنا ليست ترفًا، بل حقٌّ أصيلٌ للطفل».

حماية الأطفال ودور الوزارة

ويرى محمد الرياني، تربوي وإعلامي، عضو نادي جازان الأدبي، أنَّ مؤسَّسات التعليم عليها الدور الأكبر والأبرز في تكوين أرضيَّات صالحة للتربية عبر المدارس والمحاضن التربويَّة، ويجب وضع الضوابط التي تنظِّم الظهور عبر الإنترنت بصورة لا تليق بسمعة التربية، ورأى أنَّ هذا الطرح فرصة لمؤسَّسات التربية؛ كي يكون لها حضور قوي وفاعل، عبر إنشائها تطبيقات تشرف عليها سليمة وآمنة.

وأكَّدت عفراء مرزوق النعيمي، مشرفة تربية إسلاميَّة ولغة عربيَّة ودراسات اجتماعيَّة، أنَّ هناك وسائل تعليميَّة كثيرة ملوَّنة لافتة للنظر خالية من التقدُّم، وطرق تدريس متنوِّعة معتمِدة على الحركة والتنقل واللعب، وبالأخير يظل الطالب ضعيف المستوى في القراءة والكتابة.

وقالت عفراء: تعجبني معلِّماتي الخيِّرات، أو القديمات كما يسمُّونهنَّ الآن؛ لتمسكهنَّ بالطرق التقليديَّة في التدريس، وتفعيل الجديد الذي تُطالب به الوزارة عند زيارة الضيوف فقط.

وعلى إدارات المدارس البُعد عن المظاهر من أجل الثناء والإشادة من قِبل الوزارة.

وقالت حصة إبراهيم الديولي، معلِّمة متقاعدة: إنَّ حماية الطفل من الاستعراض العاطفيِّ والتربويِّ مسؤوليَّة لا تقلُّ أهميَّةً عن تربيته ذاتها، فالتربية ليست عرضًا للمتابعين، بل علاقة بناء تُصان بوعيٍ، وتُمارَس بحبٍّ، وتُحترَم بخصوصيَّةٍ.

ولا يمكن إغفال الجانب الإيجابيِّ في بعض التجارب التربويَّة التي تُعرض بوعي، إذ قد تُلهم غيرها، وتفتح نقاشات مجتمعيَّة بنَّاءة.

وفي النهاية، تبقى التربية مسؤوليَّة مقدَّسة، تتطلَّب وعيًا حقيقيًّا، لا مجرَّد عرضٍ إعلاميٍّ.

وبين السَّعي للتأثير، وحماية الأبناء من الابتذال الرقميِّ، يقف الضميرُ التربويُّ حاجزًا بين الشهرة والتنشئة السَّليمة.