قهوة اللوز أو الملوخية… كيف تحتفل ببداية سنتك الهجرية؟

قهوة اللوز أو الملوخية… كيف تحتفل ببداية سنتك الهجرية؟

مع إشراقة العام الهجري الجديد، تعود بي الذاكرة إلى طقس عزيز على قلبي، كانت تحرص عليه والدتي، جليلة أحمد السراج، رحمها الله، وهي من بنات إحدى أعرق العوائل الحجازية. مع مطلع كل سنة هجرية، كانت تعد لنا قهوة اللوز بكل حب وشغف، وكانت تؤمن أن هذا الطقس البسيط يحمل شيئًا من النور والرضا، ويمثل امتدادًا لعاطفة الأم الحجازية، التي تعبّر عن حبها بالفعل قبل القول. ورغم الحذر الذي كانت تبديه، كانت الفرحة تملأ عينيها، حتى وإن كبحتها الكلمات.

وفي موازاة تلك الذكرى، لا أنسى كيف كنت أنتظر هذا اليوم بشغف لأرتشف كوبًا من قهوة اللوز من يد الدكتورة إيمان إسماعيل، وكيلة كلية علوم الإنسان والتصاميم المتقاعدة في جامعة الملك عبدالعزيز، التي كانت تستيقظ فجر ذلك اليوم لتحضير قدر ضخم من قهوة اللوز، ثم تملأ عشرات الترامس بها، وتوزعها بمحبة على منسوبات الكلية، من العميدة حتى حارسات الأمن. كانت تلك اللفتة الجميلة تجسيدًا حيًا لمكارم الضيافة السعودية، وروح الأمومة، والإيثار، وكانت تعني لي أن الطقس الذي بدأ من بيتنا الصغير، امتد ليدفئ أروقة الجامعة وأرواح من فيها.

قهوة اللوز، أو ما تُعرف في بعض المناطق بـ”القهوة البيضاء”، ليست قهوة بالمفهوم التقليدي، بل مشروب دافئ يُحضّر من اللوز المطحون، مع الحليب أو الماء، ويُنكه غالبًا بماء الورد أو الهيل، ويُقدَّم محلى. يتميز بلونه الأبيض وقوامه الناعم، ليصبح رمزًا لبداية “نقية”، ونية طيبة تسري في القلب كما يسري دفؤه في الجسد.

في كثير من البيوت الحجازية، يُقدَّم هذا المشروب في صباح اليوم الأول من شهر محرم، كتقليد رمزي يستبشر بالصفاء، والدفء الأسري، والسلام الداخلي، فيكون أول ما يُدخل للجوف في السنة الجديدة شيئًا ناعمًا، طيبًا، ودافئًا.

أما الملوخية، فهي طبق متجذر في المطبخ العربي، محبوبة ومرتبطة باللمة العائلية والبيوت العامرة. وفي بعض البيوت، أصبح طهي الملوخية في أول أيام السنة الهجرية يحمل بعدًا رمزيًا، يعبر عن التفاؤل ببداية خضراء تبشّر بالخير والبركة. فرؤية اللون الأخضر في هذا اليوم تمثل لبعض العائلات رسالة أمل وعطاء، وكأن الطعام هنا يتجاوز مذاقه، ليحمل نية طيبة تُزرع مع أول يوم في العام.

وبين قهوة اللوز والملوخية، يتجلى الرابط العميق بين المأكولات والطقوس، حيث يصبح الطعام وسيلة للتعبير، والابتهال، والاحتفال، لا مجرد حاجة بيولوجية. ففي الثقافة العربية، الطعام رسالة حب، ووسيلة وصل، ولسان حال يقول الكثير دون كلمات.

قد تمر السنة الهجرية الجديدة على البعض مرورًا عاديًا، لكنها لآخرين فرصة لتجديد النية، واستعادة الدفء في العلاقات، ولمّ الشمل، وبث الأمل في الأرواح. وبين رشفة دافئة من قهوة اللوز، وملعقة خضراء من الملوخية، هناك لغة لا تكتبها الأقلام، بل تصنعها الأيادي بحب، وتُقال على مائدةٍ تجمع القلوب.

كل عام وأنتم بخير، وسنة هجرية مباركة مليئة بالرضا، والرزق، والنكهات الجميلة.

* أستاذ مساعد التغذية والعلوم النفسية

جامعة الملك عبدالعزيز

@duaa_saleh