احفظوا الخيال!

احفظوا الخيال!

وصلني سؤالٌ من فتاةٍ صغيرةٍ عبر البريد الإلكترونيِّ، لكنَّه لم يُمحَ من ذهني بسهولةٍ:

«هل يمكن للخيال أنْ يعيش في بيت لا يؤمن به»؟

لم يكن مجرَّد سؤال عابر، بل صدى لما يواجهه الكثير من الموهوبِينَ اليوم. نعيش في مجتمعات تُقدِّر النجاح، لكنَّها -في كثير من الأحيان- تغفل المنابع الحقيقيَّة للتميُّز: الموهبة والشغف والخيال. كم مِن فتى يرسم عالمه على صفحات دفاتره المدرسيَّة! وكم من فتاةٍ تكتبُ قصَّتها في صمتٍ، ثم تطوي أوراقها خجلًا من اتِّهامها بالضياع في الوَهَم!.

نُربِّي أبناءَنا على التفوُّق، لكنَّنا لا نخبرهم بأنَّ الخيال نصيبٌ أساسٌ في صناعة الحياة. بل نهمس لهم أحيانًا بأنَّ الفنَّ «لا يُطعم خبزًا»، وأنَّ الكتابة «مجرَّد هوايةٍ لطيفةٍ»، وأنَّ الأفضل أنْ يركِّزُوا على «المضمونِ».

ولكنْ.. ماذا لو كان الخيال هو أعظم المضمون؟

في عالم يتغيَّر يوميًّا، تحوَّلت الصناعات الإبداعيَّة إلى قوَّة اقتصاديَّة وثقافيَّة حقيقيَّة. شركات كُبْرى -مثل ديزني- لم تكن لترسم أثرها، لولا إيمانها بمخيِّلة شباب صغار لم يملؤهم سوى الحلم. هؤلاء الكُتَّاب والفنَّانون انطلقُوا من نوافذ مفتوحة، أتاحَت لهم أنْ يطلُّوا على ذواتِهِم.

ونحن إذ نطالب بفرص عادلة للمبدعين الجدد، نحن بحاجة إلى شركة إنتاج تحتضن مخيِّلة المبدعين، لا يُشترط أنْ يكونُوا مشاهير؛ ففي هدوء المنزل قد يمتلك كاتبٌ خيالًا أعمقَ وأجملَ من خيال كثيرين من كُتَّاب الخيال المشهورين الذين أُتيحت لهم الفرص.

إنَّ كتابة هذا العمود لا تهدف إلى توجيه اللوم، بل إلى فتح نافذة نطلُّ منها معًا على مشهد ننساه أحيانًا: الطفل الذي يرسم مصيره بألوانه الخاصَّة، منتظرًا كلمة «ارسم أكثر».

لا تقتلُوا الخيال بالتَّقليل من قيمته، ولا تكسرُوا الأقلام؛ بحجَّة الواقعيَّة، ولا تُطفئُوا نورًا وُلد ليضيءَ.

وأخيرًا، من النافذة أستقبلُ الجمال، وأنقله في مقالي الأسبوعيِّ.. فإذا كنتَ تملك الخيال، ماذا تنتظر؟