لجنة الحج المركزية: إنجازات ميدانية ورؤى مستقبلية

مع إسدال الستار على موسم حجٍّ آخرَ، تتجلَّى قصَّة نجاح باهرة رسمتها أيادٍ ساهرة، وعقول مفكِّرة، سعت بكل إخلاص لضمان راحة وسلامة ضيوف الرَّحمن. كان هذا الموسم لوحةً متكاملةً من التنظيم الدقيق والتنفيذ المحكم، ودلالة راسخة على الجهود الجبَّارة التي بذلتها لجنة الحجِّ المركزيَّة بقيادة مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكَّة المكرَّمة رئيس لجنة الحجِّ المركزيَّة ونائبه.
لم يكن هذا النجاح وليد الصدفة، بل ثمرة دعم غير محدود من القيادة الرشيدة، ممثَّلةً في خادم الحرمين الشَّريفين، وسمو ولي عهده الأمين، ووزير الداخلية رئيس لجنة الحجِّ العُليا، الذين وفَّروا الإمكانات، وسخَّروا الطاقات البشريَّة والماديَّة؛ لضمان أداء المناسك بيُسر وأمان.
برهنت لجنة الحجِّ المركزيَّة على قدرتها الفائقة في إدارة هذا الملف الضخم، من خلال خطط إستراتيجيَّة مبكِّرة، وأهداف واضحة، وتوزيع دقيق للأدوار. وجاء الأمن في مقدِّمة الأولويات، حيث طُبِّقت أحدث التقنيات وأفضل الممارسات العالميَّة، وعملت الأجهزة الأمنيَّة بتناغم وتنسيق مثاليَّين، عاكسةً الاحترافيَّة والتفاني.
شملت النجاحات مشروعات خدميَّة وتنمويَّة متنوِّعة، من توسعة المشاعر، وتطوير النقل والخدمات اللوجستيَّة، إلى تعزيز الرِّعاية الصحيَّة. وسارت هذه المشروعات وفق جداول دقيقة؛ ما سهَّل على الحجَّاج أداء شعائرهم في بيئة مريحة وآمنة، تحت إشراف أمير المنطقة ونائبه، اللذين تابعا التفاصيل وذلَّلا العقبات.
ومع هذا النجاح، تتَّسع آفاق الطموح لتطوير التجربة بشكل أكثر عمقًا وابتكارًا، عبر توظيف الحلول الذكيَّة الحديثة القائمة على الذكاء الاصطناعيِّ وتحليل البيانات الضخمة، لتوقُّع الاحتياجات، وتحسين إدارة الحشود، وتوجيه الموارد بشكلٍّ أدقَّ. ويمكن تجسيد هذه التقنيات في تطبيقات ذكيَّة تقدِّم للحجَّاج إرشادات آنيَّة بحسب مواقعهم واحتياجاتهم، وتساعدهم في التنقل والوصول للخدمات بسهولة.
وفي إطار الاهتمام المتزايد بالاستدامة، يظهر أهميَّة تطبيق مفهوم «الحجِّ الأخضر» من خلال مبادرات متكاملة لإدارة النفايات، وإعادة التدوير، واستخدام الطاقة المتجدِّدة، إلى جانب غرس الوعي البيئي بين الحجَّاج لتقليل الأثر الكربونيِّ لهذا التجمع الإيمانيِّ العالميِّ، ولا يقل العنصر البشري أهميَّة عن الجانب التقنيِّ والبيئيِّ، إذ يمثِّل الاستثمار في تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في خدمة الحجَّاج ركيزة أساسيَّة للاستدامة.
كما تشمل مساحات التطوير الجوانب المعرفيَّة والتوعويَّة، حيث يمكن إطلاق حملات إبداعيَّة موجهة للحجَّاج قبل قدومهم، تقدِّم لهم معلومات المناسك والصحَّة والسلامة بعدَّة لغات، عبر وسائل تفاعليَّة مثل الواقع الافتراضي والأفلام القصيرة، ما يجعل المحتوى أكثر جذبًا وتأثيرًا، خصوصًا لدى فئة الشباب.
وتبرز أهميَّة توفير مراكز افتراضيَّة رقميَّة للحجِّ، تمكِّن الحاج من خوض تجربة محاكاة شاملة للمناسك قبل الوصول؛ ممَّا يعزز استيعابه، ويقلل من التحديات الميدانيَّة. ومع تزايد أعداد كبار السن وذوي الإعاقة، يمكن تبنِّي مبادرات متقدِّمة تشمل أجهزة استشعار صحيَّة، ومرافقة ذكيَّة، وتطبيقات داعمة بلغات متعدِّدة لتسهيل رحلتهم وخدمتهم باحترافيَّة وإنسانيَّة.
إنَّ ما تحقق في موسم الحجِّ هذا العام هو انعكاس لما تبذله المملكة من جهود جبَّارة ومتواصلة في خدمة الإسلام والمسلمين، وما تقدِّمه من نموذج رائد عالميًّا في تنظيم أكبر تجمُّعٍ بشريٍّ سنويٍّ. وبفضل الله، ثم بالدعم المتواصل من القيادة الرشيدة والرؤية الثاقبة للجنة الحجِّ المركزيَّة، والعمل الجماعي المحترف، نمضي بثقة نحو مواسم حجٍّ أكثر إشراقًا تُلبِّي طموحات ضيوف الرَّحمن، وتترك في وجدانهم ذكرى لا تُنسى.
حاتم سعد العميري
Hatem1403@