السيارات الصينية ورضا المستهلكين في السعودية

شهد سوق السيَّارات في المملكة العربيَّة السعوديَّة، خلال العقد الأخير، تدفقًا ملحوظًا للسيَّارات الصينيَّة، مدعومًا بأسعارها التنافسيَّة، وتصاميمها العصريَّة، ورغم هذا الحضور المتزايد، فلا تزال شريحة واسعة من المجتمع تُبدي تحفُّظاتها وتشكيكها تجاه هذه السيَّارات، التي ترقى إلى مستوى الجودة والاعتماديَّة التي يتمتَّع بها المنتج الغربي أو الأمريكي.
وعلى الرغم من تطورها الظاهريِّ، فإنَّه لا يزال لدى العديد من المستهلكين السعوديِّين الانطباع السلبي حول السيَّارات الصينيَّة، وذلك لعدَّة أمور، أبرزها: قِصر عمر السيَّارة الافتراضي، مقارنةً بالسيَّارات الألمانيَّة المعروفة بطول عمرها ومتانتها، عدم توفر قطع الغيار بشكلٍ كافٍ في الأسواق المحليَّة؛ ممَّا يؤدِّي إلى تأخير عمليَّات الإصلاح، صعوبة صيانتها في الورش المعتادة، افتقار كثير من الفنيِّين للخبرة في التعامل مع أنظمتها، والانخفاض السَّريع في القيمة السوقيَّة عند إعادة البيع، وهو ما يُضعف من جدوى الاستثمار فيها.
ومن المهم التأكيد على أنَّ وزارة التجارة التي تقوم بإصدار التراخيص التجاريَّة، ومنح التصاريح للوكلاء، والهيئة السعوديَّة للمواصفات والمقاييس والجودة التي تشرف على اختبارات السَّلامة والبيئة والجودة الفنيَّة، تتحمَّلان مسؤوليَّة مباشرة في تنظيم دخول السيَّارات إلى السوق المحليِّ، وضمان مطابقتها لمتطلَّبات السلامة والجودة، ورغم هذه الجهود، فيرى بعض المراقبين أنَّ هناك حاجةً لتشديد المعايير الخاصَّة بجودة السيَّارات الصينيَّة، وفرض ضوابط أكثر صرامة على الوكلاء؛ لضمان توفير الصيانة وقطع الغيار، وتقديم ضمانات حقيقيَّة للمستهلك.
وتتكرَّر الشكاوى من أصحاب السيَّارات الصينيَّة بشأن الأعطال المفاجئة التي تظهر بعد فترة وجيزة من الاستخدام؛ لعدَّة أسباب محتملة، من أبرزها: استخدام مواد تصنيع منخفضة الجودة؛ بهدف تقليل التكلفة، ضعف اختبارات التحمُّل في بيئات حارة كالسعوديَّة، عدم وجود شبكة خدمة ما بعد البيع قويَّة تغطِّي كافَّة المدن والمناطق، وضعف تدريب الفنيِّين على التعامل مع جميع الموديلات.
وترتكز الحلول الممكنة، على كيفيَّة بناء ثقة مستدامة بين المستهلك والمنتج، من خلال إلزام الوكلاء بتوفير خدمات الصيانة، وقطع الغيار بشكل واضح قبل منحهم التراخيص، توعيَّة المستهلك بمواصفات السيَّارة قبل الشراء، وعدم الانجراف وراء السعر وحده، وتشجيع الشركات الصينيَّة على فتح خطوط تصنيع، أو تجميع داخل المملكة؛ لتعزيز جودة الإنتاج المحليِّ.
وأخيرًا، فمن المهم أنْ نُدرك أنَّ السيَّارات الصينيَّة أصبحت اليوم خيارًا حقيقيًّا في السوق السعوديِّ، لكنَّها ما زالت بحاجة لكسب ثقة المستهلك، من خلال تحسين الجودة والاعتماديَّة، وضمان دعم ما بعد البيع، وإصدار الأحكام النهائيَّة على قلَّة جودتها بشكل قاطع، قد يكون متسرِّعًا بعض الشيء، فالتاريخ القريب يذكِّرنا كيف واجهت السيَّارات الكوريَّة نفس موجة الشكوك والانتقادات عند دخولها للأسواق المحليَّة، قبل أنْ تُثبت جدارتها مع مرور الوقت، من خلال تطوير الجودة، وتعزيز خدمات ما بعد البيع. وفي المقابل، لا يمكن تجاهل تجربة السيَّارات الروسيَّة، التي لم تلقَ رواجًا في المملكة؛ بسبب ضعف جودتها، وعدم ملاءمتها للبيئة المناخيَّة والطرق المحليَّة؛ ممَّا أدَّى إلى اختفائها تدريجيًّا من السوق المحليِّ.
وبالتالي، فإنَّ الحُكم على السيَّارات الصينيَّة ينبغي أنْ يكون مبنيًا على تجارب موثوقة، ومتابعة طويلة الأمد لأدائها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ بعض الشركات الصينيَّة تبدي تحسُّنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وتسعى جاهدةً لاكتساب ثقة المستهلك السعوديِّ.