مآتم بتكاليف مرتفعة جدًا!!

مآتم بتكاليف مرتفعة جدًا!!

سألتُ صديقًا عن موقع عزاء والده المُتوفَّى، فأخبرني أنَّ العزاء في المقبرة فقط، وأنَّه لا يوجد مراسم عزاء أُخْرى حسب وصيَّة الوالد، فقلتُ في نفسي إنَّ ذلك أمر مقبول جدًّا، ويلغي الكثير من التصرُّفات والعادات المنتشرة هذه الأيام في غالبية دواوين العزاء، التي تُنحر فيها الخراف بتكاليف باهظة جدًّا.

بعض الأسر تقيم عزاءً ليوم واحد فقط، أو يومين، ولكنَّ الغالبيَّة يقيمون العزاء لثلاثة أيام مشمولة بالعشاء، أو حتَّى بالبوفيه المفتوح تفاخرًا، والبعض يكتفي بتلقِّي العزاء هاتفيًّا، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعيِّ المختلفة.

إنَّ تكاليف العشاء سواء قام بها أهل المُتوفَّى، أو تم تقديمها من الأهل والأقارب، أو الأصدقاء، أو الجيران، هي تكاليف باهظة للغاية، تثقل الكاهل، ورغم أنَّ هذه العادات لا تتماشى مع السُّنَّة النبويَّة، فإنَّ البعض يعتبرها صدقةً عن المرحوم؛ بحجَّة أنَّ غالبيَّة مَن يأتي لتناول طعام العشاء هم من الضعفاء، كحرَّاس العمائر المجاورة، والسَّائقين، والعمَّال الذين يتوافدون بالمئات الى سرادق العزاء.

أخبرني صديق أنَّه في عزاء إحدى قريباته، تم ذبح (٢٢) خروفًا، وتقديمها كطعام للحاضرين على مدار أيام العزاء الثلاثة.. فقلتُ له: (هذا موتٌ وخرابُ ديارٍ)!!

بعض الأسر تقيم العزاء، ولكنْ دون تقديم طعام للمعزِّين، وبعض الأسر يتسابق الأصدقاء والمعارف على مَن يحظى بتقديم العشاء للمعزِّين، ويتم توزيع الأيام بينهم إمَّا بالمشاركة لأكثر من شخص كل ليلة، أو يتحمَّل كل ليلة شخص واحد..

إنَّ صنع الطعام وتقديمه للمُعزِّين الذين يأتون من أماكن أو مدن بعيدة للتعزية، والمشاركة في الدَّفن لا حرج فيه شرعًا لأهل الميت؛ كما أفتى فيه أهل العلم، وذلك لحاجة هؤلاء المُعزِّين إلى الضيافة، ويُسَنُّ أنْ يصنعه جيران أهل الميت، أو الأقارب الأباعد، وأنْ يَكفُوا أهلَ الميتِ مُؤنةَ ذلك؛ لِما رواه أبو داود في «سُننه» من حديث عبدالله بن جعفر -رضي الله عنهما- قال: لَمَّا جاء نَعيُ جعفرٍ، قال رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم-: «اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ».

كما أنَّه من المستحبِّ أنْ يتم تقديم (الوضيمة)، والوضيمة هي الطعام الذي يُقدَّم لأهل المُتوفَّى؛ لأنَّ حالهم لا يسمح بتجهيز الطَّعام، والوقوف عليه، فيقوم الأقارب، أو الجيران بتجهيز الطعام لأهل المُتوفَّى.

إنَّ مراسم العزاء مع بُعد المسافات، واختلاف الأماكن، وازدحام الطرقات بات أمرًا شاقًّا ومتعبًا، ويزيده كلفةً ومشقةً وتعبًا، المصاريفُ الماليَّة الباهظة التي باتت سمة من سمات العزاء هذه الأيام.. فهل من تغيير لهذه العادات والسلوكيَّات؟