الطائف الجديد يعيد إشراقة العاصمة الصيفية

الطائف الجديد يعيد إشراقة العاصمة الصيفية

في لحظة من لحظات العودة إلى الجذور، تبرز الطائف من جديد إلى واجهة الحديث الوطني، ليس فقط لأنَّها مدينة الورود، أو مصيف الجبال، أو مهد اللقاءات التاريخيَّة، بل لأنَّها تستعيد موقعها كمكانٍ له رمزيَّة خاصَّة في وجدان الدولة السعوديَّة وشعبها، وذلك من خلال مشروع طموح يحمل اسم «الطائف الجديد»، حيث كانت يومًا ما تُعرف بالعاصمة الصيفيَّة غير الرسميَّة للمملكة.

وتحفظ الذاكرة أنَّه من قصر شبرا، الذي شهد سكن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في سنوات التأسيس، إلى قصر الملك سعود، الذي كان يقيم فيه، ويستقبل فيه كبار الزوَّار، مرورًا بالملك فيصل الذي فضَّل جبالها العالية ومناخها المعتدل لعقد الاجتماعات الوزاريَّة، كانت الطائف تأتى في المقدِّمة.

كما عُرف عن الملك خالد حبُّه للطائف، وحتى الملك فهد الذي لطالما اتَّخذ منها ملاذًا هادئًا خلال الصيف.

طبيعة المشروع

إنَّ المشروع الذي تتجاوز مساحته 1250 كيلومترًا مربعًا شرق المدينة الحاليَّة، لا يُنظر إليه كمجرَّد توسعة عمرانيَّة، بل كتحوُّل إستراتيجيٍّ في دور المدينة ضمن الخريطة الوطنيَّة، ويأتي ذلك اتِّساقًا مع مستهدَفات رُؤية السعوديَّة 2030، والتي تركِّز على تنمية المناطق، وتوزيع الفرص، والاستثمار في المقوِّمات المحليَّة.

مطار الطائف الجديد

ويُعدُّ مطار الطائف الدولي الجديد، الذي يجري العمل على إنشائه حاليًّا، أحد أبرز مكوِّنات هذا المشروع الطموح، ويُنتظر أنْ يُحدث نقلة إستراتيجيَّة كبيرة في ربط محافظة الطائف ببقية مناطق المملكة ودول العالم، وهذا المطار لا يقتصر دوره على تسهيل حركة السفر والسياحة، بل يُعدُّ محورًا اقتصاديًّا وتنمويًّا بالغ الأهميَّة، إذ سيساهم في تحفيز الاستثمار، واستقطاب الشركات والخطوط الجويَّة، ورفع القدرة التشغيليَّة للطائف كمقصد موسميٍّ وسياحيٍّ دائم، كما يُعزِّز المطار من مكانة الطائف كممرٍّ لوجستيٍّ مهمٍّ، خاصَّةً في ظل قربها من المشاعر المقدَّسة.

ومن المتوقَّع أنْ يستوعب في مرحلته الأوليَّة نحو 5 ملايين مسافر سنويًّا مع إمكانية التوسُّع تدريجيًّا إلى 7 ملايين، أو حتى 13 مليون مسافر سنويًّا خلال السنوات المقبلة.

المدينة الصناعية

أمَّا المدينة الصناعيَّة، فهي خطوة أُخْرى نحو إعادة تعريف الطائف كمدينة منتجة لا مستقبلة فقط، فالتركيز على الصناعة ينسجم مع سياسة تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، وسيُوفِّر المشروع آلاف الوظائف لأبناء وبنات المحافظة، كما سيحفِّز روَّاد الأعمال على إطلاق مشروعات صناعيَّة وتجاريَّة وخدميَّة في بيئة واعدة ومدعومة من الدولة.

انشاء جامعة جديدة

وبجوار الصناعة، تأتي مكوِّنات أُخْرى داعمة كإنشاء جامعة جديدة تعزِّز من موقع الطائف كمركز تعليميٍّ، وتفتح الباب أمام البرامج البحثيَّة والمراكز الابتكاريَّة، خصوصًا في مجالات الزراعة والسياحة والبيئة، ولا يغيب الجانب السياحي والترفيهي عن الصورة، فالطائف، بما تملكه من طبيعة خلَّابة، تحتاج فقط إلى تطوير في البنية التحتيَّة، وتحفيز للقطاع الخاص ليطلق العنان لمشروعات نوعيَّة، تتراوح بين المنتجعات الصحيَّة، والقرى التراثيَّة، والحدائق التفاعليَّة، والأنشطة الرياضيَّة الجبليَّة، وممَّا يُثلج الصدر أنَّ المشروع يتضمَّن مناطق ترفيهيَّة مصمَّمة وفقًا لأعلى المعايير العالميَّة؛ ممَّا سيُسهم في رفع مستوى جودة الحياة، كما أنَّ إدراج مركز إداري ضمن مكوِّنات المشروع يعيد إلى الأذهان فترة الخمسينيَّات والستينيَّات الميلاديَّة حين كانت اجتماعات مجلس الوزراء تُعقد في الطائف خلال فصل الصيف، في مشهد يُجسِّد انتقال الدولة بمؤسَّساتها إلى المدينة، بما يشبه «النقل الموسمي للعاصمة»، وهي مرحلة تحمل دلالات ثقافيَّة وإداريَّة كبيرة، واليوم، وفي ظل ما نشهده من دعم حكوميٍّ غير مسبوق لمشروعات تنمويَّة متقدِّمة في المدينة، لا يُستبعد أنْ نرى عودة الطائف كمركز ثقل إداريٍّ موسميٍّ ضمن الهيكل الحكوميِّ.