صراع الذكاء بين إيران وإسرائيل

أتاحت لي ظروف العمل ان ادرس مرحلة الماجستير في جامعة وارسو تخصص العلاقات الدولية وقد كنت محظوظا وطلاب سعوديين آخرين بوجود البروفيسور البولندي هالجك الخبير في شئون الشرق الأوسط، وقد علمت انه كان يشرف على رسالة الدكتوراه لابنة أحد رؤساء ايران السابقين في ذلك الوقت، ونظرا للخبرة الكبيرة لهذا البروفيسور فقد طلبت وحظيت بإشرافه على رسالتي للماجستير تحت عنوان “إيران الريادة الإقليمية” والتي تناولت الأبعاد المختلفة لهذا الموضوع وإمكانياته وأثناء البحث لفت انتباهي ان لعبة الشطرنج التي رغم اختراعها بالهند وتحت مسمى “شاتورانجا” وفقا لترجيح مصادر تاريخيّة إلا أن تطور لعبة الذكاء هذه كان عبر بلاد فارس ومنها انتشرت لباقي دول العالم.
مؤخراً لفت انتباهي ايضاً تقرير يشير إلى أن عدد كبير من أبطال العالم في لعبة الشطرنج يهود، وتم عزو ذلك أنه في القرنين الميلاديين ١٩ و٢٠ شجعت المجتمعات اليهودية الأوروبية الشرقية أبناءها على تعلم هذه اللعبة كإحدى وسائل التحفيز الفكري ووسيلة لتحقيق التقدم الاجتماعي في مجتمعاتهم وقد هاجر بعضهم لاحقا أثناء الحرب الأولى والثانية وما رافقتهما من أحداث لدول الغرب ولفلسطين، مع ملاحظة ان عدد كبير من القيادات الرئيسية منذ تاسيس الدولة العبرية وحتى اليوم هم من أوروبا الشرقية ومنهم رئيس الوزراء الحالي نيتناهو البولندي الأصل.
وفي ظل الحرب الحالية الإيرانية الإسرائيلية والتي بدأت منذ شهور بشكل غير مباشر عبر ضرب إسرائيل لما تقول انه أذرع ايران بالمنطقة، ووصولا إلى ايران ذاتها منذ عدة ايام، والتي هي بلا شك حرب عقول بالإضافة إلى باقي وسائل الحرب التقليدية والحديثة، قد يطرح ويترقب الكثيرون لنتائج هذه الحرب المصيرية وانعكاساتها الحيوية على منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.
تمكنت اسرائيل في الشهور الماضية من إضعاف نفوذ وكلاء إيران -حسب تعبيرها- في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان وسوريا ومن ثم توجيه ضربة مفاجئة لإيران بتاريخ ١٣ يونيو ٢٠٢٥م، قتلت فيها عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين وهاجمت عدد من المواقع النووية والعسكرية مستغلة سلاح الجو الحديث لديها وشبكة العملاء لجهاز استخباراتها القوي، في المقابل استوعبت ايران هذه الضربة المفاجئة وبدأت في الرد على الهجمات الاسرائيلية المستمرة متدرجة بالصواريخ التقليدية ومن ثم الحديثة على اسرائيل لتكبد الأخيرة خسائر جسيمة لم تشهدها أبدا منذ تأسيسها، رغم الدعم الغربي المستمر وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قامت فجر يوم الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥م بتوجيه ضربة محدودة لثلاث منشات نووية قالوا الأمريكيون إنها دمرت البرنامج النووي الإيراني بينما أشار الإيرانيون لاحقا انهم سبق وان تم اخلائها من المواد النووية والأجهزة، إلا أن آفاق توسيع الحرب ودخول دول إقليمية كباكستان وتركيا فيها وإمكانية دعم قوى كبرى كالصين وروسيا لإيران منعا لسقوطها تحت النفوذ الغربي وإن بشكل خفي لعدم إثارة غضب واشنطن تجاههم ما زال أمرا قائما، عدا عن إمكانية تحريك إيران عدة جبهات في لبنان والعراق واليمن والأضرار بحركة الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب.
فهل يتفوق اللاعبين العبريين لهذه اللعبة على المطورين الفارسيين لها ويبرهنوا صحة مقولة “التلميذ يتفوق على أستاذه”، فارق الإمكانيات لصالح ايران في حال تطور الأمور لحرب استنزاف وذلك من حيث الموارد والمساحة، عدا عن تعود الشعب الإيراني على الصعوبات والعقوبات الدولية لسنوات طويلة مع الأخذ بالاعتبار أن إيران خاضت حربا مع العراق لمدة ٨ سنوات تقريباً، ويلعب العامل الديني دورا هاما في حشد الشعب الإيراني والمجموعات المرتبطة به بالشرق الأوسط ضد إسرائيل وحلفائها خاصة مع الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني مع ملاحظة ضعف الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات الغربية وتفوق الجانب الاسرائيلي في مجال الطيران العسكري والجوانب التقنية المدعومة غربيا وذلك ما لم يتدخل الجانب الأمريكي بهذا الحرب بشكل مباشر وغير محدود والذي يمكنه حسم الحرب لصالح إسرائيل إلا أن التكلفة لتحقيق ذلك قد تحبط حماس الأمريكيين عن عمل كهذا.