الشكر والطمأنينة النفسية

الشكر والطمأنينة النفسية

الامتنان لربِّ العالمين عبادة، تجعل الإنسان مستحضرًا دومًا لنعمه الظَّاهرة والباطنة، التي أنعم بها علينا، ويتجلَّى ذلك من لحظات الاستيقاظ الأولى، فنحمد الله أنْ أعاد لنا أرواحنا لأجسادنا بعدما أماتنا، الحمدُ والشكر والذكر لا يكون من قلب لاهٍ، لا يعي ما يقول، ولا يخرج من القلب. التنفس العميق والسليم يجعل الأكسجين يسري في دمائنا، فنشعر بالطاقة التي تحرِّكنا من أجل يوم مفعم بالنشاط والحيويَّة. (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، قمَّة في الخضوع والعرفان للمولى -عزَّ وجلَّ- بأنَّ كلَّ ما نحن فيه من نعم، هي من فضله علينا، فهو الغنيُّ ونحنُ الفقراءُ.

قبل يومين وأنا ذاهبة لعملي، بدأتُ بسماع نشرات الأخبار التي تُشعِر الإنسان بالقلق والتوتر في بداية يومه، وهذه وصفة مهمَّة جدًّا لكلِّ مَن أراد بدايةً سعيدةً ليومه، تذكَّر حديث النبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًا فِي بَدَنِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَقَدْ حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)، وبيقينٍ تامٍّ ما أصابك لمْ يكنْ ليخطئكَ وَمَا أخطأكَ لمْ يكن ليصيبكَ. بداية يوم مع قرآن وذكر واستشعار نعمة الأمن التي نعيشها، والعافية التي تسري في البدن، نِعم لا تُقدَّر بثمن، تستحق التأمل العميق، والتفكر في كيفيَّة المحافظة عليها بكلِّ ما أوتينا من قوَّة.

قيل قديمًا: (العبدُ في التَّفكيرِ والربُّ في التَّدبيرِ)؛ الله -جلَّ جلالُه- هو مدبرُ الأمور، نحن بحاجة إلى تجديد علاقتنا معه -سبحانه- بحُسن الظنِّ، وحُسن التوكُّل عليه، ولن يضيِّعنَا أبدًا طالما هناك حبل ممدود بيننا وبينه، ونحن على بابه نقرُّ ونعترفُ بضعفنا أمام قوَّته وعظمته وجبروته. أتذكَّر جيدًا في خضم هذه الأحداث التي تحيط بنا في المنطقة، ومن مشكلات وحروب وقلاقل، كيف كان يقين «عبدالمطلب» القوي بربِّه عندما علم بخطر يحدقُ بمكَّة والكعبة، فقال قولته الخالدة في التاريخ البشريِّ: (لِلبَيتِ رَبٌّ يَحْمِيه). نحنُ في حماية الله وحفظه ورعايته، وبكل يقين وحُسن ظنٍّ بربِّ العالمين.

حتى نعيش حالة الامتنان المقترنة بالهدوء النفسيِّ، من المهم جدًّا الحفاظ على مقدَّراتنا وقوتنا النفسيَّة والإيمانيَّة، ونقدِّم العون والرعاية لكبار السنِّ والمرضى في بيوتنا، لا نعرِّضهم لأيِّ توتر حتَّى لا تتعرَّض قلوبهم الضَّعيفة للألم، وتزداد مشكلاتهم الصحيَّة، وبالتالي ستؤثِّر على مَن يحيطون بهم، نحن بحاجة لمزيد من مشاعر الحب والسكينة والطمأنينة والهدوء النفسي مهم جدًّا لضبط الأعصاب.

ليكن بين أيدينا كتيب صغير، ندون فيه النعم التي نستشعرها، ونعمل على نشر الطاقة الإيجابية في محيط حياتنا في بيوتنا، وفي أعمالنا، وبين أصدقائنا لنكون رسل المحبَّة والسَّلام، ونشر الخير لتعمر القلوب بمشاعر الامتنان، ونزداد قربًا من الله تعالى.

من أجمل ما في هذه الحياة أنْ تعمل في مجال تعشقه، وتمرُّ السنين، وتجمعك الأقدار بمن عرفت منهم في الميدان، ويذكرون لك خيرًا قدَّمته لهم، ونسيته أنت ويذكرونه هم، فتغمرك مشاعر الامتنان لربِّ العالمين أنْ منحك نعمة نسيان ما تقدِّمه للنَّاس، ولكنَّ الطيِّبين فقط، والأخيار، وأصحاب القلوب العامرة بالحبِّ لا ينسون الفضل بينهم، هكذا علَّمنا القرآن. ممتنة لك ربِّي العظيم أنْ جعلتني من أهل التَّعليم معلِّمة ثمَّ مشرفة تربويَّة على مدار أكثر من ربع قرن، ومازال الميدان التعليمي يذكِّرني بذكريات جميلة، العمل الإشرافي جعلني أطوفُ بين كافَّة المدارس في كل قطاعات ينبع، وعرفتُ خيرة النَّاس، ومَن هُم أكثر خبرة منِّي، وتعلَّمتُ منهم ما لم أتعلَّمه في الكتب، وهو الحب الحقيقي، والأخوة الإنسانيَّة الصادقة، وهناك قلوب شفافة طاهرة نظيفة صافية، تدعو لك من قلب محبٍّ، فتصلك بركة دعائها، وتستشعره في كل حين، وخاصَّة في لحظات الضعف والمصائب.

فاللَّهمَّ احفظ لنا هذا الوطن آمنًا مطمئنًا مباركًا، واحفظ لنا عافيتنا، وأهلينا، وأرزاقنا، وهدوء نفوسنا؛ لتكون مطمئنةً بقدرك الذي كتبته، واجعلنا دومًا في حفظك وأمانك.