يا عبادي.. دعوة الرحمة الإلهية ودرس الأبدية في عدل الله ورحمته

في زمن تزدحم فيه القلوب بالحيرة والنفوس تتخبط بين غياهب الدنيا ومطامعها يأتينا هذا الحديث القدسي الشريف كنبض من نور يطرق أبواب الفطرة ويوقظ الضمائر من غفوتها نداء من رب العالمين يحمل في طياته حباً لا يحد ورحمة لا تنفد وعدلاً مطلقاً يعلمنا حقيقة العبودية وكرامة الإنسان.
“يا عبادي” .. تأمل كيف بدأ الخطاب بنداء مليء باللطف يوقظ فيك الانتماء إلى رب لم يخلقك ليعذبك بل ليرحمك ويهديك ويكسوك ويطعمك ويغفر لك ويمنحك من خزائنه التي لا تنفد. هو نداء يغمر النفس بخشوع لا تصفه الكلمات ويجعل العبد يشعر أنه ليس منسياً ولا متروكاً بل هو في قلب عناية الرحمن صباح مساء.
في صدر الحديث يعلن الحق جل جلاله قاعدة العدل الأبدية: “إني حرمت الظلم على نفسي” فسبحانه الذي لا يسأل عما يفعل اختار لنفسه ألا يظلم أحداً. أفلا يكون من الظلم العظيم أن يظلم الإنسان أخاه؟! إذا كان رب العزة قد نزه نفسه عن الظلم أفلا يترفع عبيده عنه؟!
ثم تتوالى النداءات السماوية:
“يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته ..”
“كلكم عار إلا من كسوته ..”
“كلكم جائع إلا من أطعمته ..”
كل ضعفك الإنساني مرئي وكل حاجاتك مكشوفة وكل نقصك مقدر ولكن مفتاح الكفاية ليس في الخلق بل في الخالق. لا تهتدي إلا به ولا تكتسي إلا بفضله ولا تشبع إلا من رزقه فهو الكريم إن سألته أعطى وإن استغفرته غفر.
ثم تأتي الآيات الأعظم في تصوير كماله واستغنائه:
“لن تبلغوا ضري فتضروني .. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني”
“لو أن أولكم وآخركم .. كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ..”
“ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر ..”
كم هي عظيمة هذه المقارنة … إبرة تغمس في بحر فهل تنقصه؟! هكذا عطاء الله لا يحده سؤال سائل ولا ينقصه عطاؤه للخلق جميعاً.
ويختم هذا الخطاب الإلهي بميزان العدل: “إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ..”
فلا تظن أن الله غافل عن عملك ولا تحسب أن المعروف يضيع أو أن السيئة تنسى. ولكن رحمة الله تسبق عقوبته ويكفيك أن تعود إليه بكلمة: “فاستغفروني أغفر لكم”.
ففي كل سطر من هذا الحديث القدسي حياة وفي كل نداء طوق نجاة. هو إعلان إلهي بأن الطريق إلى الله مفتوح وبأنك مهما أخطأت فالرحمة أعظم. لا تيأس من تأخرك ولا تخجل من ذنبك فقط أقبل على ربك بقلب منكسر ولسان مستغفر وثقة بأنه يسمع ويغفر ويجبر.
فيا من سمع “يا عبادي” بقلبه .. لا تؤخر توبتك فإن الله ينتظرك.