ما الذي سيحدث غدًا؟

يظلُّ الإنسان رهينةً للخوف والقلق من الغد، مهما كان مستوى إيمانه وقوَّته وشجاعته.
«الغد»، أو «بكرة» بالنسبة للإنسان منطقة مظلمة، يتلمَّس طريقه إليها، من خلال الأمنيات، والدعوات، وأحيانًا التكهُّنات، أو محاولة القفز على الأحداث بالتنبؤات، مع ذلك يظلُّ الإنسانُ عاجزًا عن معرفة «ماذا يحدث غدًا؟»؛ لذلك يصيبه الخوف والتوتر؛ لأنَّه يخاف من المجهول!
ولأنَّنا استيقظنا قبل أيام على صوت حرب ضروس بين إيران وإسرائيل، ولأنَّهما تمتلكان أسلحة متقدِّمة وخطرة، أُصيب الكثيرون بموجةٍ شديدةٍ من الخوف؛ ممَّا تأتي به الأيام المقبلة، وليس الغد فقط، الذي كان هو مصدر القلق، أصبحت كل الأيام المقبلة -أي مستقبل المنطقة- مصدر الخوف والقلق.
فإذا كان الخوف من المجهول يُصنَّف بأنَّه تفكير سلبي، فالخوف ممَّا يحدث في الأرض والسماء، ليس خوفًا سلبيًّا، بل خوفٌ طبيعيٌّ. طائرات، ومسيَّرات، وصواريخ، ومتفجِّرات متبادلة بين دولة تمتلك أسلحة نوعيَّة، ومحتل صهيوني بنى خلال عقود احتلاله أرضًا عربيَّة، ترسانة أسلحة خطرة ومحظورة.
واجه كثير من المسافرين من توقُّف الرحلات، أو الإلغاء والشلل التام لبعض المطارات.
حجَّاج بيت الله الحرام خصوصًا من ايران، وجدوا أنفسهم غير قادرين على العودة إلى وطنهم، لولا أنَّهم على أرض المملكة العربيَّة السعوديَّة، وفي ظلِّ خادم الحرمين الشَّريفين الذي أمر بتوفير كل أسباب الرَّاحة لهم، وتحمُّل كافَّة نفقاتهم، لوجدوا أنفسهم في مأزقٍ حقيقيٍّ.
التقيتُ في الفندق قبل عودتي إلى وطني بسيِّدة أردنيَّة أُلغيت رحلتهم، شعرتُ بخوفها والقلق والحزن على المأزق الذي طوَّقهم، لا يعرفون متى تنتهي هذه الحرب التي بدأت فجأةً.
ماذا يحدث للمسافرين الذين كانوا على أهبة العودة، ثمَّ وجدوا أنفسهم رهن اعتقال حركتهم وحريَّة عودتهم إلى أوطانهم؟!
مَن عاد إلى وطنه، أو أنَّه لم يغادر وطنه، فهو -على الأقل- آمن في بيته، وبين أهله وأحبته، لكنَّه ليس في مأمن من الخوف من الغد! ماذا سيحدث في حال اتَّسعت دائرة الحرب، هل ستنشب الحرب العالميَّة الثالثة؟
في حال استخدام الأسلحة المحظورة، أو ضرب أحد المفاعلات النوويَّة، هل هي نهاية العالم؟ كل ما سبق حوارات وأحاديث تدور في مثل هذه الظروف المتوترة، فالخوف من غدٍ أصبح خوفًا حقيقيًّا يعصف بالقلوب، بعد أنْ استيقظ الناس في وطننا العربي، وقد خرج الغد عن كل توقُّعاتهم وتكهُّناتهم، وتجاوز قدرتهم على طرح سؤال لغدٍ جديدٍ، بل أصبح الإنسان أكثر خوفًا وقلقًا من كل الأيام المقبلة على حدِّ الخوف!
الخوف هو المحفِّز الأساس لاتِّخاذ المرء وسائل وإجراءات لتحصين نفسه وأهله وبيته ضدَّ كلِّ ما يمكن أنْ يمثِّل تهديدًا خارجيًّا أو داخليًّا، مثل التأكُّد من سلامة البناء، وسلامة تمديدات الكهرباء والغاز، كذلك الخوف من الاعتداء، أو السطو، فيتَّخذ كافَّة وسائل السلامة، كغلق الأبواب والنوافذ، ووضع كاميرات خارجيَّة وداخليَّة، لكن الخوف نتيجة الصراعات والحروب، سواء يعيش الإنسان داخل نطاقها، أو خارجها، أو قريبًا منها، فهو خوف مختلف.
الخوف هو الدافع الأول للتسلح، وبناء ترسانة أسلحة، وبناء الجيوش القوية على كل المسارات أرضيَّة جويَّة بحريَّة،حتَّى أنَّها تخطَّت الحروب التقليديَّة، وتحوَّلت إلى هجمات إلكترونيَّة؛ ممَّا استدعى بناء أنظمة للأمن السيبراني قادرة على حماية الأنظمة من العبث والهجمات المعادية.
لكنْ تظل الحروب بالأسلحة بين الدول هي الأشرس والأكبر مثير ومحفِّز لمشاعر خوف الإنسان، ويظل ينهشه القلق من: ماذا يحدث غدًا؟
الخوف والحرب مرتبطان بشكل وثيق، حيث يُعتبر الخوف أحد المشاعر الأساسيَّة التي تحرِّك الصراعات والحروب، كما أنَّ الحرب بدورها تثير الخوف وتسبِّبه.. الخوف من الآخر، أو من الضعف، أو من الهزيمة، ويؤدِّي إلى تصعيد التوترات، ومن ثمَّ إلى العنف والحروب.