التضحية ليست دائمًا شجاعة

التضحية ليست دائمًا شجاعة

خلال الأسبوع اللي فات كنت في قعدة مع صحاب من أيام المدرسة، واتفتح موضوع شكله بسيط لكن عمقه خلاني مش عارف أنام يومها!.. واحدة من صحابنا حكت إنها بقالها سنين بتشتغل شغل هي مش بتحبه، بتتعب فيه جدًا، وساعات كتير بتنهار من الضغط، وكل ده عشان تساعد إخواتها يكملوا تعليمهم!

“أنا ضحيت بس مبسوطة” دي كانت جملتها اللي قالتها وهي بتضحك، بس ضحكتها كانت مصطنعة جدًا!.. اللي في عينيها ماكانش “مبسوطة”.. اللي في عينيها كان حاجة شبه المرارة أو الحيرة أو التعب اللي بيتراكم جوه ومش عايز يطلع.

اللي خلاني أفكر بجد في الجملة دي هو إني اكتشفت إنها مش لوحدها!.. قابلت بعدها بيومين صديق ليا قديم، لقيته سايب شغله اللي بيحبه واشتغل شغل تاني مرهق عشان “يشيل البيت” زي ما قال!.. مراته كانت بتعاني صحيًا، فقرر يغيّر مسار حياته كله عشان يوفر لها حياة كريمة، بس كل ما بيتكلم عن شغله الجديد كان بيشتكي من القرف والضغط و”هو مش ده اللي كان نفسي أعمله في حياتي”.

المواقف دي وغيرها خلتني أبدأ أراجع مفهومي عن “التضحية”.. المجتمع بيصدّر لنا صورة مثالية عن اللي بيضحوا، وبيوصفهم بالأبطال!.. بنكبر على حواديت الأب اللي “ضحّى عشان ولاده”، والأم اللي “باعت دهبها عشان تعلم عيالها”، والزوجة اللي “كتمت وجعها عشان بيتها مايتخربش”، والموظف اللي “استحمل الذل عشان مرتبه آخر الشهر”.

بس السؤال هنا: هل كل تضحية بطولة؟، ولا أحيانًا التضحية بتكون ضعف؟.. ضعف إنك مش قادر تقول “لا”، أو مش عايز تواجه، أو مش عايز تتحمل مسئولية التغيير؟

هل دايمًا اللي بيضحي بيكون بيعمل ده عن حب؟ ولا أحيانًا بيكون بيعمله عشان ماعندوش اختيارات تانية؟، أو لأنه اتربى على إنه ما يفكرش في نفسه أصلًا؟

التضحية الحقيقة، في رأيي، لازم تكون واعية.. مش مجرد رد فعل تلقائي ولا تمثيلية اجتماعية!

يعني إيه واعية؟ يعني أنا قررت أضحي، وأنا عارف إني هتعب، بس كمان عارف إني بختار ده بكامل إرادتي، وإن ده هيفيد غيري ويفيدني ولو على المدى البعيد.. لكن لما تكون التضحية بتاكل منك كل يوم، وبتسيبك مكسور أو مهدود أو ناسي نفسك، فده مش بطولة!.. ده اسمه نزيف بطئ!

اللي بيحبك بجد مش هيطلب منك تضحي بنفسك عشانه!.. واللي بيحترمك مش هيشوف صبرك عبودية!.. والمجتمع اللي عايزك دايمًا تبقى بتضحي مش بالضرورة يكون شايفك بطل!.. ده ممكن يكون بس بيستغل صمتك وبيخليك أنت نفسك الضحية!.

أنا مش ضد التضحية، بالعكس!.. بس ضد إننا نغلفها دايمًا بغلاف البطولة، وننسى نفكر مع نفسنا في حاجات زي هل أنا باختار فعلًا؟ ولا أنا مجرد أداة لإرضاء الناس؟

كل واحد فينا محتاج يراجع كتالوج التضحيات اللي بيقدمها.. هل هو بيعمل ده حبًا؟ ولا خوفًا؟ ولا لأنه ناسي نفسه وبيحاول يلاقي لنفسه قيمة من خلال وجعه علشان غيره؟

التضحية مش دايمًا بطولة.. أوقات بتكون ضعف، وأوقات بتكون استسلام، وأوقات بتكون طريق مختصر للشعور بالذنب لما نفكر في نفسنا شوية.

ابدأ اسأل نفسك هو أنا ضحيت ليه واستفدت إيه؟ وهكمل لحد فين؟

لأنك لما تلاقي الإجابة، يمكن تكتشف إنك مش مطالب تفضل الشخص اللي بيضحي طول الوقت!.. يمكن تكون محتاج ترجع لنفسك، وتشوفها، وتطبطب عليها قبل ما تقدمها علشان بس غيرك يفرح وأنت لأ!