قوية.. ولكنه أبي

قوية.. ولكنه أبي

على مدار الثلاث والثلاثين عامًا الماضية لطالما راودتني المخاوف بجميع أشكالها سواء من فقد أبي أو أمي أو أحد إخوتي أو حتى من شعور الوحدة التي كنت دوما غارقة فيها، وطيلة الوقت كنت أدعو الله أن يمدني بالقوة التي تجعلني أتخطى جميع مخاوفي مستعينة بقوله تعالى في الآية 286 بسورة البقرة: “لا يُكلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ”.

كنت وما زلت تلك الفتاة المدللة لدى أبيها وأمها رغم غرسهما بعض القيم التي تدفعني لتحمل المسؤولية طوعًا وليس إجبارًا، محبة في أن أكون صاحبة قراراتي ومسؤولة كامل المسؤولية عنها، ورغم الدلال والمحبة فإنني افتقدت الكثير من المشاعر التي قدمت تكون طبيعية لأي فتاة في مثل عمري، كانت كلمات الفخر من أبي وأمي بأني “العاقلة الرزينة صاحبة الخبرة الكبيرة التي تسبق عمري” هي الدافع لاستمراري في الحفاظ على شخصيتي القوية والملهمة لمن حولي، سواء بدفاعي عن شقاوة إخوتي الصغار أو حتى تبرير بعض تصرفات إخوتي، وعلى الرغم من تعثراتي في الحياة، حال أي شخص في مواجهة المشاكل والتحديات التي تواجهه لم أركض للشكوى لأيٍّ منهما، وكنت أفضل حل ما أواجهه مستعينة بخبراتي الحياتية التي اكتسبتها في سن صغيرة أو حتى ببعض آراء أصدقائي من أهل الثقة.

ولكن عندما واجهت أكبر مشاكلي الحقيقية بفقدان أبي وقفت عاجزة لم أعلم ماهية الشعور ولا كيفية مداواته، وهنا أدركت أني قوية ولكن القوة وحدها لا تكفي لتخطي ألم الفقد أو لتعويض شعور رحيل أقرب الأقرباء.. أدركت فقط حينها أني قوية.. ولكنه أبي.