«الأزمة الفولانية» في توغو: «رعاة عابرون» بين التهديدات الإرهابية والاتهامات.

«الأزمة الفولانية» في توغو: «رعاة عابرون» بين التهديدات الإرهابية والاتهامات.


أقلية متناثرة في منطقة شاسعة ومتقلبة شمالي توغو، كانت حتى وقت قريب ترسم حدود تحركها وفق خط الأراضي الخصبة حيث تتوفر المراعي لماشيتها.

رعاة الفولاني، هذه العرقية المنتشرة في مواطن عديدة بغرب أفريقيا ووسطها وساحلها، لا تزال تحتفظ بطبيعتها البدوية التي تعتبر أنّ الأرض الخصبة حيث تتوفّر المراعي لماشيتها تشكل حدود أوطانها.

ويرى باحثون سياسيون فرنسيون أن تصاعد العنف الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي بات يهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي في الدول المحاذية، ومنها توغو، التي تشهد منذ سنوات موجات نزوح لهؤلاء الرعاة من شمال البلاد. 

وتأتي هذه التحركات في ظل اشتداد الضغوط الأمنية، واتهامات غير مثبتة بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة، ما يفتح الباب أمام تدهور العلاقات بين الفولاني والمزارعين المحليين، ويُثير مخاوف من تفاقم الأزمة في بلد كان إلى وقت قريب بمنأى عن التهديد الإرهابي.

فهل تُعد هذه الضغوط مدخلًا جديدًا لتجنيد هذه الفئة المهمّشة؟ وما المطلوب من الدولة التوغولية لوقف هذا النزيف الأمني والاجتماعي؟

وكيف يهدد الإرهاب مصدر رزق الفولاني المرتبط برعي الماشية والتجارة العابر للحدود؟ وماذا عن مستقبل هذه الأزمة في ظل صمت إقليمي متزايد؟

«نزيف» واتهامات

دفع تصاعد انعدام الأمن الإرهابي في السنوات الأخيرة العديد من العائلات الفولانية في المناطق الحدودية شمال توغو إلى الفرار.

فبعد أن لجأوا إلى مناطق يُفترض أنها أبعد عن هجمات الجماعات المسلحة، يعيش هؤلاء اليوم تحت وطأة توترات متزايدة مع المجتمعات الزراعية.

وفي ظل الضغط المستمر من الجماعات المسلحة، أصبحت المراعي ونقاط المياه مصدرًا دائمًا للصراعات اليومية.

ومنذ سنوات، يعيش رعاة الفولاني في منطقة الساحل – وخصوصًا في إقليم سافان شمال توغو – حياة مليئة بالتنقل الدائم والخوف والهشاشة.

ودفعتهم ندرة المياه والمراعي إلى مغادرة المناطق المكتظة بالسكان، والهجرة نحو مناطق أقل ازدحامًا مثل مقاطعتي كبيندجال وأوتي.

ويقول المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون غرب أفريقيا أوليفييه بيزانسن، إن “الفولانيين هم من أكثر الفئات استهدافًا في هذا النوع من النزاعات”.

ويوضح بيزانسن، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن ما تقدم “ليس فقط بسبب نمط حياتهم القائم على الترحال وتربية الماشية، بل لأنهم يتنقلون عبر الحدود بسهولة، ما يجعلهم عرضة للشبهات بالتعاون مع جماعات مسلحة تنشط بدورها في نفس المناطق”.

ويضيف: “هذا التعميم خطير، إذ إنه يزرع الفتنة بين الفولاني والمجتمعات الزراعية المستقرة، ما يُغذي البيئة الخصبة للتجنيد من قبل الإرهابيين”.

روشتة نجاة

ترى الباحثة في العلاقات الاجتماعية بمنطقة الساحل، آن شارلوت مارييه، لـ”العين الإخبارية” أن “الدولة التوغولية مطالبة بخطتين متوازيتين”.

وتوضح لـ”العين الإخبارية”: “الأولى أمنية لمنع تمدد الإرهاب إلى داخل الحدود، والثانية تنموية لإدماج الفئات المهمّشة كالفولاني، عبر توفير البنية التحتية والخدمات الأساسية ومشاريع تعزز التعايش بين الرعاة والمزارعين”.

وتتابع: “إذا استمرت النظرة إليهم كتهديد، فلن يكون غريبًا أن ينجرّ بعضهم إلى أحضان الجماعات المتطرفة، لا عن قناعة، بل هربًا من التهميش والخوف”.

ويتسبب الإرهاب في تقويض مصدر الدخل الرئيسي للفولاني: تربية الماشية، والتجارة العابرة للحدود، ومع اضطرار العديد منهم للنزوح من مناطقهم، يُهدد هذا الأمر ليس فقط أمنهم الغذائي، بل ينعكس على السوق المحلية التي تعتمد على منتجاتهم.

ويشير تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة إلى أن فقدان الثروة الحيوانية في مثل هذه النزاعات “يمثّل ضربة مزدوجة: ضياع دخل الأسرة، وندرة في المواد الحيوانية الأساسية في الأسواق”.

سيناريوهات 

وبخصوص السيناريوهات المستقبلية، أشارت آن شارلوت مارييه إلى أن من بينها التصعيد باستمرار الضغط الأمني دون حلول اجتماعية، ما قد يؤدي إلى موجة تجنيد واسعة من قبل الجماعات الإرهابية.

أما الطرح الثاني فيكمن في حصول انفراجة، وذلك بتدخل الدولة بإجراءات مصالحة محلية وتوفير الدعم للفولاني ما قد ينقذ الوضع قبل الانفجار.

وحذرت من حصول هجرة جماعية، مشيرة إلى أنه في حال انسداد الأفق، فقد يتوجه الفولاني نحو دول مجاورة أكثر استقرارًا، ما يعقّد الوضع الإقليمي بشكل أكبر.