أليكو دانجوتي: حكاية الإمبراطور الأفريقي الذي حول الاسمنت إلى ثروة.

في لحظة فارقة من تاريخ الاقتصاد الأفريقي، طوى الملياردير النيجيري أليكو دانجوتي صفحة مؤثرة من مسيرته الطويلة، معلنا تنحيه عن رئاسة شركة دانجوتي للأسمنت.
رحيل دانجوتي عن اللبنة الأولى التي وضعها لتأسيس إحدى أضخم الإمبراطوريات الصناعية في القارة، خطوة لم تأتِ بمعزل عن التخطيط، بل اتخذت منحى استراتيجيا، يشبه ما يحدث في أعرق الأسر الصناعية في الغرب، ولكن برؤية أفريقية محضة.. فمن هو أليكو دانجوني إمبراطور الأسمنت؟
طفولة وبيئة محفزة على الريادة
ولد أليكو محمد دانجوتي في 10 أبريل/نيسان 1957 بمدينة كانو شمال نيجيريا، في عائلة من أصل عالٍ وثراء تجاري يعود إلى جيلين، وكان جده الأكبر، الحاج الحسن دانطاتا، الذي يعد من أثرى الأشخاص في غرب أفريقيا مطلع القرن العشرين، وتاجر في نواة الكولا والفول السوداني، بحسب وكالة “إيكوفين” الأفريقية الناطقة بالفرنسية.
وبعد وفاة والده وهو في الثامنة، تولى جده سانوسي دانطاتا رعايته وتوجيهه، حيث تعلم منذ نعومة أظافره أساسيات العمل التجاري، ففي مدرسته الابتدائية كان يشتري الحلويات ويعيد تعبئتها ليبيعها لأقرانه، مما شكل انعكاسا مبكرا لفهمه العميق للتجارة، بحسب صحيفة “نيجير برس” في نستختها الفرنسية.
يوهان ميسكيتا.. رائد الذكاء الاصطناعي في أستراليا وصانع ثورة الأتمتة
التعليم والمسيرة المبكرة
وأكمل دانجوتي دراسته الابتدائية والثانوية في كانو قبل أن يتوجه إلى مصر لدراسة إدارة الأعمال في جامعة الأزهر بالقاهرة، ليعود إلى نيجيريا عام 1977 بعد حصوله على شهادة في الإدارة التجارية. فور عودته افتتح أول مشروع تجاري بدعم مادي من عمه بقيمة تقريبية 3 آلاف دولار، بدأ بتجارة الحبوب والسكريات وصولًا إلى الأسمنت، وسدّد قرضه في غضون أشهر فقط مما أبرز كفاءته وثقته منذ بداية مشواره .
تأسيس وتوسع إمبراطورية Dangote Group
وفي عام 1977 أطلق دانجوتي شركته التجارية الأولى، ثم أسس عام 1981 مجموعة Dangote التي تطورت من مجرد تجار إلى إمبراطورية صناعية. ركز على تنمية إنتاج محلي في مجالات السكر والملح والدقيق مرورًا بالأسمنت. مشروعه الرائد كان إنشاء مصنع Obajana في أوغون عام 2003، الذي أصبح أكبر مصنع أسمنت في أفريقيا، بسعة تجاوزت 10 مليون طن سنويّا، وتوسع لاحقا ليشمل دولا مثل إثيوبيا وتنزانيا والسودان.
القفزة النوعية: مصفاة النفط والبتروكيماويات
والمشروع الأكثر طموحا في مسيرته بدأ قبل عقد تقريبًا، حين أطلق Dangote Refinery & Petrochemical Complex في ليكي، وهو اليوم أكبر مصفاة أحادية الخط في العالم بطاقة معالجة 650 ألف برميل يوميًا بتكلفة تتجاوز 19–20 مليار دولار. افتتحت رسمياً في مايو/أيار 2023، ويتوقع أن يغطي كامل احتياجات نيجيريا من الوقود ويحولها إلى مصدر مصدر للطاقة المكررة والصادرات، مُحدثا تغيرات مالية كبرى في ميزان المدفوعات الوطني، بحسب مجلة “أفريك.ماج” الفرنسية.
الثروة والتصنيف العالمي
وتضاعفت ثروته في غضون عامٍ واحد بعد بدء عمل المصفاة، لتبلغ نحو 23.8–28 مليار دولار بحلول عام 2025، بحسب مؤشر بلومبرج وCEOWorld، ليعيده إلى قائمة أغنى 100 شخص عالميًا ويجده الوحيد من أفريقيا ضمن هذه الفئة.
تقاعد طوعي وتسليم الشعلة للجيل الجديد
وفي سن الثامنة والستين، وبعد عقود من القيادة والتحولات، أعلن دانجوتي رسميًا مغادرته منصب رئيس مجلس إدارة شركة دانجوتي للأسمنت. هذه الشركة، التي كانت في يوم من الأيام مجرد طموح، أصبحت خلال سنوات قليلة مرادفًا للهيمنة الصناعية، حيث تنشط اليوم في معظم أسواق غرب ووسط أفريقيا، وتُعد ركيزة صلبة في ثروته البالغة الآن 28.5 مليار دولار، حسب تصنيف بلومبرغ.
ورغم تنحيه، لم يترك دانجوتي الساحة دون إعداد الخلفية اللازمة لمرحلة ما بعده، فقد سلم الشعلة إلى إيمانويل إيكازوبوه، المصرفي المعروف والرئيس السابق لمجموعة “إيكوبنك ترانسناشونال”، والذي يمثل بنظر كثيرين تجسيدا للحوكمة الحديثة والتوجه نحو معايير الإدارة العالمية، بحسب موقع SikaFinance المرجع الاقتصادي في غرب أفريقيا.
إلى جانبه، تبرز ابنة دانجوتي، ماريا، كاسم واعد في مستقبل المجموعة، حيث تشغل الآن مقعدا بمجلس الإدارة بعد سنوات من الخبرة في تكرير السكر ودراسة إدارة الأعمال في بريطانيا.
ورغم صعود قطاع النفط بقيادة مصفاة دانجوتي العملاقة، التي كلفت نحو 20 مليار دولار واستغرق بناؤها 11 عامًا، لا يزال الأسمنت هو العمود الفقري للمجموعة. هذا التوازن بين القطاعات هو ما مكن دانجوتي من التحرك بثقة نحو تنويع إمبراطوريته، جامعًا بين الثقل الصناعي التقليدي والطموح التكنولوجي والطاقة البديلة، وفق رؤية أعلنها مرارا: “التصنيع في أفريقيا لم يعد خيارًا مؤجلا، بل ضرورة قومية، وعلى الأفارقة أن يقودوه بأنفسهم”.
بن فيسترر.. رائد الأعمال الذي نافس البنوك العملاقة بشركة مصرفية ناشئة
ووفقا لوكالة “إيكوفين” الأفريقية الفرنسية، فإن الانسحاب دانجوتي لا يفهم كمغادرة نهائية، بل كمرحلة انتقالية محسوبة، تمهد لنقلة نوعية في إدارة المجموعة، انتقال هادئ بين الأجيال، مدعوم بإرث صلب وخبرة مؤسسية، يشي بأن المشروع أكبر من شخص، وأن الرأسمالية الأفريقية التي أسسها دانجوتي تدخل الآن طورها الثاني، بقيادة الجيل الجديد.
وجود ماريا دانجوتي على الطاولة ليس مجرد تمثيل عائلي، بل هو تمهيد لتوسيع أفق الأعمال إلى قطاعات واعدة مثل التكنولوجيا، الأعمال الزراعية، والتمويل الأخضر. بينما يواصل الوالد دور “العقل الاستراتيجي” من خلف الكواليس، تتكفل ماريا وزملاؤها بقيادة الدفة نحو أفق قاري جديد.
في نهاية المطاف، لا يعد هذا التغيير مجرد حدث داخلي لمجموعة أعمال، بل يعكس لحظة تحول في النموذج الاقتصادي الأفريقي. نموذج يتجاوز تصدير المواد الخام ليُعيد تموضع أفريقيا في خارطة التصنيع العالمي، معتمدا على الرؤية، التخطيط، والبعد القاري.