استغلال أصوات الأطباء للتسويق لأدوية غير مصرح بها

استغلال أصوات الأطباء للتسويق لأدوية غير مصرح بها

في وقت تتسارع فيه وتيرة اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة، بدأ الوجه المظلم لهذه التكنولوجيا يتكشف بصورة تثير القلق، خصوصاً عندما تُستغل في العبث بصحة الناس وسمعة الأطباء، فقد لجأ محتالون إلى استنساخ أصوات أطباء مشهورين باستخدام أدوات «التزييف العميق» (Deep fake) -وهي فرع من فروع الذكاء الاصطناعي تحاكي تعابير وجه شخص ما أو نبرة صوته بدقة عالية-، للترويج لمنتجات دوائية أو تجميلية غير مرخصة، مستغلين ثقة الجمهور بهذه الأسماء الموثوقة، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لأخلاقيات المهنة، ومساساً مباشراً بالصحة العامة.

هذه الجريمة الرقمية، كما وصفها عدد من الأطباء الذين استطلعت “” آراءهم، رأوا أنها ناقوس خطر يجب عدم تجاهله أو المرور عليه مرور الكرام، فهذه الجريمة لا تقتصر على الإساءة لسمعة الطبيب، بل قد تصل آثارها إلى توقيفه عن العمل لحين إثبات براءته من محتوى لم يقم به أصلًا، كما أنها تهدد حياة بعض الفئات البسيطة التي تصدق كل ما تسمع وترى دون التحقق من صدق المعلومة ومصدرها. وأشاروا في حديثهم لـ «الشرق» إلى أنه وسط هذا الواقع الذي بات مربكاً، طالبوا بضرورة تغليظ العقوبات ضد المتورطين، وتحديث التشريعات لتواكب ما أفرزته الثورة الرقمية من أدوات تزييف قد تكون قاتلة حين تمس الصحة.

د. حسان الصواف:  تخصيص وحدات رقابة على المحتوى الرقمي
من جهته، حذر الدكتور حسان الصواف –استشاري الأمراض التنفسية والعناية المشددة-، من التهاون في هذا النوع من القضايا، مؤكدًا أنها تمثل إساءة مباشرة للأطباء.
 وقال د. الصواف «إنَّ في معظم الدول هناك قوانين لتجريم إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها قد لا تكون كافية أو مفعلة بالصرامة المطلوبة، لذا لا بد من رقابة حقيقية، وتوعية متواصلة للمجتمع بضرورة التأكد من مصدر المعلومة، سواء كانت تتعلق بعلاج أو منتج طبي».
وشدد د. الصواف على أن ترك مثل هذه الممارسات دون محاسبة يشجع على استمرارها، وأن الحل يكمن في تطوير القوانين باستمرار لمواكبة تسارع أدوات التكنولوجيا، وتخصيص وحدات رقابة تكنولوجية تتابع المحتوى المنشور على منصات التواصل الاجتماعي.

د. رشاد لاشين:  الفعل غير أخلاقي ويضر بسمعة الأطباء 
قال الدكتور رشاد لاشين –طبيب أطفال ومراهقين-، « إنَّ وجود التشريعات لهذا الشأن لم يعد ترفًا بل ضرورة أخلاقية وإنسانية».
وأردف د. لاشين قائلا «إنَّ الحياة لا تقوم على الزور والتزييف، ولا يمكن القبول بأن تصبح الأكاذيب وسيلة لربح الأموال على حساب صحة البشر، ونحن بحاجة إلى تعليم الناس كيف يتحققون من المعلومات، وكيف يميزون الصحيح من الملفق، كما نقترح على وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي إدراج مناهج مدرسية تتضمن أساسيات الإسعافات الأولية والصحة العامة، مع تعليم الطلاب كيفية التحقق من المعلومات الصحية المنتشرة على الإنترنت، وخصوصا في زمن أصبحت فيه المقاطع المزيفة مقنعة للغاية لاسيما للفئات التي تصدق كل ما يقال ويروج على وسائل التواصل الاجتماعي».
وشدد على أهمية تغليظ عقوبة من تسول له نفسه للقيام بهذا الفعل غير الأخلاقي، الذي من شأنه أن يضر بصحة المجتمعات وبسمعة الأطباء ويضعهم تحت طائلة القانون دون وجه حق.

د. أحمد سعيد:  تغليظ العقوبة حماية للمجتمع والمهنة
بدوره شدد الدكتور أحمد سعيد –طبيب طوارئ-، على ضرورة فرض قوانين واضحة تجرّم هذا السلوك، قائلاً «إنَّ ما يحدث أمر مزعج على كافة المستويات، أن يُستخدم صوت طبيب معروف أو للترويج لمنتج طبي دون علمه أو موافقته، فهذه إساءة مباشرة له، وقد تضر بسمعته ومكانته العلمية، وقد تودي بمستقبله المهني». وأكد أن هذه الممارسات يجب أن تخضع لرقابة صارمة، مشيرًا إلى وجود فيديوهات تثير الاستغراب من فرط دقتها، حتى ليظن المشاهد أن الطبيب بالفعل هو من قال هذا الكلام، الأمر الذي يتطلب تغليظ العقوبات على مرتكبي هذا النوع من الجرائم بهدف حماية المجتمع وحماية المهنة ومنتسبيها.

د. حكمت الحميدي: خطورة تداول المعلومات المغلوطة
بدوره رأى الدكتور حكمت الحميدي- طبيب أطفال-، أن الاستخدام السيئ للذكاء الاصطناعي يمس مباشرة بسمعة المهنة، ويعد تزويرا يعرض المجتمعات لخطر بالغ بسبب تداول المعلومات المغلوطة، قائلاً « إنَّ من غير المعقول أن يُسمح بالترويج لأدوية غير مرخصة أو وصفات طبية خاطئة باستخدام أصوات أطباء دون علمهم، هذا عبث بصحة الناس، ويجب أن يواجه بأقسى درجات الردع القانونية، على المستويات كافة.

د. طارق فودة: الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين 
من جانبه، أوضح د. طارق فودة –طبيب طوارئ-، قائلا «إنَّ الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، وأن استغلاله في نشر معلومات خاطئة ذات طابع طبي قد يؤثر بشكل مباشر على حياة الناس».
وتابع «إنَّ الفيديوهات التي تُنتج باستخدام تقنيات التزييف العميق (Deepfake)، حتى وإن كانت تستند إلى مقاطع قديمة، قد تؤدي إلى حروب نفسية حقيقية يعيشها من أُستخدم صوته وصورته، وتزيد من تشويش الشباب، خصوصًا عند الترويج لمعلومات مغلوطة عن الأدوية أو العلاج».
وأضاف د. فودة «إذا شكك أحدهم بطبيب معين، فقد يشوه سمعته بالكامل، خصوصا إذا كان طبيبا مشهورا، ما يتطلب توعية مجتمعية وتأكيداً على ضرورة التحقق من مصادر المعلومات الطبية من قنوات موثوقة».