زينب أبو حليب: طفلة لم تختبر من الحياة سوى ألم الجوع

في غزة المنكوبة، لا تسقط الطفولة بقذائف الحرب فقط، وإنما بجوع قاتل أيضاً، أخذ ينهش الأجساد الغضة بصمت، وسط تحذيرات منظمات دولية، من أن الطفل الذي يعاني من سوء التغذية الحاد، يصبح معرضاً للموت 10 أضعاف أكثر ممن يحصل على غذاء كاف.
أطفال رضّع يتساقطون واحداً تلو الآخر، تحت وطأة حرب طاحنة، وحصار مطبق، وما يتفرع عنه من سوء تغذية، لتبلغ الكارثية الإنسانية أعلى مستوياتها في صفوف الأطفال.
الرضيعة زينب أبو حليب، ابنة الستة أشهر، حملتها والدتها في خضم الحرب، وقد هدّها الجوع المفرط، ووُلدت من رحم مجاعة قاتلة، رحلت بجسدها النحيل، في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، بعد معاناة مريرة مع سوء التغذية، ونقص الحليب، في مشهد بات يتكرر بصمت في قطاع غزة.
كانت زينب، حفيفة بين أحضان المشيّعين، فهؤلاء الذين شيّعوا الآلاف من أهل غزة، لم يعتادوا على جثمان بهذه الخفّة، حملها المشيّعون، وحملتها معهم ملايين القلوب الغارقة في الحزن، فقد رحلت أبو حليب، قبل أن تتم الرضاعة، ودون أن تشرب الحليب، ولم تكن تعرف من الدنيا سوى الجوع.
كانت زينب خفيفة بما يكفي ليحتملها حضن أمها كي ترضع، كانت خفيفة بين الأيادي، لكن رحيلها بهذه الصورة، كان وسيظل ثقيلاً وصاعقاً على القلوب، إذ رحلت قبل أن تبدأ، ولا زالت صغيرة وجميلة.
تقول والدتها إسراء أبو حليب، إن أكثر ما ألمها أن زينب قضت جائعة، مبينة أنها لم تأخذ حظها من الرضاعة الطبيعية، بينما عجزت عن توفير الحليب الصناعي لها، إثر نفاذه من الأسواق، وعدم دخول المساعدات بفعل الحصار، مضيفة: «كأن القدر أبى إلا أن يكمل تلك الحكاية الأليمة، التي ارتسمت على حياة زينب القصيرة، فرحلت تحت وطأة الجوع».
ولزينب صورة قبل الموت، في الصورة دفأها والدها أحمد أبو حليب جيداً، وألبسها قبعة كي تقيها البرد عند ولادتها، ولم يكن يعرف، أن الجوع سوف يغتالها في مهدها.
صوّرها والدها. ربما كي ترى صورتها عندما تكبر، فتضحك من نفسها، وتبتهج، وتشكر والدها، لكنه لم يعرف أن مئات العدسات ستصور فاجعة تخصها.