مواطنون وخبراء لـ«الشرق»: إعادة تدوير الكتب المدرسية تحافظ على البيئة وتقلل من الهدر الاقتصادي

مع نهاية كل عام دراسي، تتكرر مشاهد لبعض الطلبة الذين يمزقون كتبهم، أو يحرقونها كتعبير رمزي عن نهاية الامتحانات، وبينما يرى البعض منهم في هذه الممارسات متنفساً من ضغط الدراسة، يغيب عن كثيرين أن هذه الكتب تحمل قيمة علمية لا يجوز الاستهانة بها، فضلا عن حجم الضرر البيئي والاقتصادي في حال تم التخلص منها بالطرق العشوائية.
في المقابل، تظهر جهود فردية ومبادرات مجتمعية تدعو إلى التفكير بطريقة مختلفة للاستفادة من هذه الكتب كإعادة تسليمها إلى المدرسة لمن يرغب بالتبرع بها، أو تدويرها بطرق مسؤولة، بدلاً من إتلافها أو رميها بشكل عشوائي في القمامة.
وفي هذا السياق طرحت «الشرق» الأمر على عدد من المواطنين والخبراء لاستطلاع آرائهم حول الطريقة الفُضلى للاستفادة من هذه الكتب حفاظا على قيمتها المعنوية، والمادية، وحماية للبيئة، إذ طالبوا بتشكيل لجنة تحت إشراف وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي تقوم باستلام الكتب من قبل أولياء أمور الطلبة أو الطلبة الراغبين في التبرع بكتبهم المستخدمة، أو الراغبين بالتخلص منها، لتقوم هذه اللجنة بالتنسيق مع الجهات المعنية لفرز الكتب التي بالإمكان الاستفادة منها والتبرع بها، أو إتلافها بالطرق المتبعة والتي تحافظ على البيئة، ولا تشكل هدراً اقتصاديا على الدولة.
– د. خالد المهندي: انعدام التوعية وغياب العقوبات يعززان استمرار السلوك
قال الدكتور خالد المهندي –باحث نفسي- «إن تمزيق الكتب يعد تنفيسا انفعاليا يعكس رغبة بعض الطلبة في التحرر من القيود المدرسية، إذ يرتبط الكتاب لديهم بالواجبات والالتزامات، لا بالمعرفة كقيمة مستدامة، فمن الناحية النفسية الاجتماعية، يعاني بعض الطلبة من ضعف الإدراك لقيمة المعرفة، فينظرون إلى الكتاب كوسيلة مؤقتة لتجاوز الامتحانات، لا كمصدر للتعلم طويل الأمد». وقد يتحول هذا السلوك إلى طقس جماعي بدافع التعزيز الاجتماعي، إذ ينال الطالب إعجاب أقرانه عند تمزيق الكتب بشكل استعراضي، كما تُسهم النمذجة الاجتماعية من خلال تقليد الأقران في ترسيخ الظاهرة، كما أنَّ غياب العقوبات أو الضوابط المدرسية، وانعدام التوعية بقيمة الكتاب، يعزز استمرار هذا السلوك.
أما آثاره النفسية والسلوكية، فتتمثل في ترسيخ قيم استهلاكية، مع عدم احترام الممتلكات العامة، وتعزيز سلوك عدواني عشوائي بديل عن تعلم مهارات إدارة الانفعال، وهو في النهاية شعور لحظي بالفرح لا يعالج جذور الضغط النفسي.
– عائشة الجابر: تشكيل لجنة تحت إشراف «التعليم»
بدورها علقت السيدة عائشة الجابر مديرة مدرسة روضة بنت جاسم الثانوية سابقا-، على هذا التصرف من خلال نقل تجربتها من اقع المدرسة التي كانت تديرها قائلة «كنا نلاحظ نهاية كل فصل دراسي قيام بعض الطالبات بتمزيق الكتب والأوراق ورميها في باحة المدرسة أو في القمامة، ما كان يسبب عبئاً على العاملات والمشرفات الإداريات، في جمع هذه الكتب، والأوراق، لذا كانت تجمع الكتب المتبقية ويتم فرزها في صناديق كرتون، ثم تسليمها إلى مصانع متدوير الورق، وكنا حينها نتكفل بجمع الكتب في منتصف العام الدراسي ونهايته، ونتعاون مع جهة متخصصة، وهذا كان جهدا ذاتيا من المدرسة، من منطلق مسؤوليتنا، كما أنَّ المدرسة كانت تحتفظ بالكتب النظيفة، تغلفها وتتبرع بها لجمعية قطر الخيرية، خاصة كتب التربية الإسلامية، وأظن أنَّ هناك مدارس أخرى تبذل جهودا فردية مشابهة في هذا السياق».
واقترحت السيدة عائشة الجابر وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي بالاهتمام بهذه المسألة، قائلة «تشكيل لجنة من «الوزارة» مهمتها أن تعلن في بداية العام الدراسي من خلال الإدارات المدرسية أنَّ على الطلبة الذين يودون يتبرعون بكتبهم في نهاية العام الدراسي من أجل منحها لغيرهم من الطلبة المتعفيين، ومهمتها الأخرى هي التواصل مع شركات أو مصانع التدوير، وتنسق مع المدارس لجمع الأوراق والكتب تحت إشراف مباشر، خلال فترتين بالسنة، وبالتالي يتم التخلص من الورق بطرق تسهم في المحافظة على البيئة.»
ورأت السيدة عائشة الجابر أن هذا النظام يساعد على نشر ثقافة الحفاظ على البيئة، ويغرس قيما مهمة لدى الطلبة ويدربهم على المسؤولية تجاه غيرهم ووطنهم.
– فاطمة العتوم: إتلاف الكتب العشوائي ضرر بيئي واقتصادي
قالت السيدة فاطمة العتوم- مستشار في مجال الصحة البيئية- «إن الكتب المدرسية تمثل نعمة يجب الحفاظ عليها وشكرها لا التخلّص منها، فالكتاب يعد من النعم، كُتبت بتعب وبذلت فيها أموال وجهود، فإتلافها سواء بالتمزيق أو الحرق، تصرف لا يليق».
وأكدت السيدة فاطمة العتوم على دور أولياء الأمور في توعية أبنائهم بأهمية الكتاب، وتشجيعهم على إعادته للمدرسة، التي يمكنها بدورها التنسيق مع جمعيات خيرية مرخصة لتوزيع الكتب على طلبة المنازل أو المتعفيين. وحذّرت السيدة فاطمة العتوم من الأثر البيئي والاقتصادي الكبير الناتج عن التخلص العشوائي من الكتب، موضحة «إن إذا افترضنا وجود 300 ألف طالب وطالبة، وكل منهم يمتلك 10 كتب، فنحن نتحدث عن 3 ملايين كتاب، إذا لم تُعاد للجهات المعنية فستنتهي في سلة المهملات، ثم إلى المدافن أو الحرق، وهذا عبء بيئي واقتصادي ضخم، سيما وأنَّ الحرق يطلق غازات سامة، والدفن يستهلك مساحات ويزيد تكلفة إدارة النفايات». واختتمت السيدة فاطمة العتوم قولها «إنَّ الكتاب مصدر نور للطالب، فعليه أن يتعلم شكر النعمة، لا التخلص منها، وعلى المؤسسات أن تتحرك لحل المشكلة عبر لجان منظمة ومراكز تدوير مسؤولة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي كجهة إشرافية».
– محمد السقطري: تصرفات غير مسؤولة من بعض الطلبة
انتقد محمد السقطري تصرفات بعض الطلبة في تمزيق أو حرق الكتب واصفا إياها بأنها غير مسؤولة، داعيا إلى ضرورة تكريس قيمة الكتاب لدى الطلبة، والتشديد على أنَّ هذه الكتب بالإمكان الاستفادة منها ومنحها لآخرين من الطلبة المتعففين. واقترح السقطري ضرورة أن تتعاون وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي مع شركات إعادة التدوير لتسليمها الكتب بعد نهاية العام الدراسي، كما يجب أن تكون هناك آلية للكتب التي لن يطرأ عليها تغيير في المنهج، وتسليمها من قبل أولياء الأمور كل لمدرسة أبنائه لتنظيفها وتخزينها للعام الدراسي المقبل للتبرع بها من خلال لجنة تحت إشراف وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، فهذه حاجة إنسانية وحق أساسي، أما في حال تغيير المنهج يمكن تدوير الكتب بدل إتلافها، بما يحقق استفادة اقتصادية ويحافظ على البيئة.
– أحمد الحوسني: التعاون مع شركات تدوير الورق
من جانبه، أشار أحمد الحوسني إلى تجربة ناجحة مع شركات تدوير يتعامل معها هو شخصيا، قائلا « هناك شركة خاصة تواصلت معها منذ عامين، تأخذ الكتب المدرسية وتعيد تدويرها بالكامل، دون أي رسوم.»
واقترح الحوسني أن تتعاون وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي مع شركات إعادة التدوير بشكل منظم، بحيث تكون هناك جهة رسمية تتولى جمع الكتب من المدارس وتنسيق عملية التسليم، مضيفا « إنَّ على المدارس مسؤولية في هذا السياق، وينبغي أن تكون لديها آلية لاستلام الكتب من الطلبة بعد نهاية كل فصل دراسي، وتشجيع هذا الفعل حتى تتنافس المدارس على هذا مما سيخفف العبء ويضمن استفادة حقيقية للجميع، كما أنه سيسهم في المحافظة على البيئة، وسيمنح الكتاب قيمته، كما أن بالإمكان الاستفادة من الكتب الجيدة وتسليمها لإدارة المدرسة حتى تقوم بتسلميها لبعض الطلبة المتعففين».
– طلال العلي: التخلص الآمن من الكتب يحفظ قيمتها ويحمي البيئة
أيد طلال العلي مقترح تشكيل لجنة تُشرف عليها وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، تتولى استلام المناهج الدراسية من الطلبة الراغبين في تسليمها، بهدف إعادة الاستفادة منها إما بتوزيعها على بعض الطلبة المتعثرين ماديا ممن ليس لديهم القدرة على دفع رسوم الكتب، أو الطلبة الذين قد يفقدون بعض كتبهم لأي سبب، كما يمكن أن يشمل دور اللجنة الإشراف على التخلص الآمن من الكتب بدلاً من تمزيقها أو حرقها، ما يحفظ قيمة الكتاب ويحد من الأثر السلبي على البيئة. وأشار العلي إلى تجربته الشخصية في هذا المجال، حيث اعتاد في نهاية كل عام دراسي التواصل مع إحدى الجهات المعنية بتدوير الورق، لتسليمها الكتب المدرسية، انطلاقاً من حرصه على حماية البيئة، والاستفادة من هذه المواد، بدلاً من التخلص منها عبر رميها في القمامة أو حرقها.