قصة مأساة في شاطئ غزة

قصة مأساة في شاطئ غزة

لم يكن في حسبان المواطن أحمد أبو عاصي، أن ذهابه لدفع ثمن فطيرة بيتزا، اشتراها لابنه رمضان، سينجيه من محرقة مطعم الاستراحة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق مواطنين عزّل على شاطىء بحر غزة، ويتركه يغرق في نوبات البكاء والقهر، على رحيل طفله جائعاً.
في لحظات مجنونة، انهار سقف الاستراحة فوق رؤوس الزبائن، الذين جاءوا لالتقاط الأنفاس في خضم حرب ضروس، وأخذ الدخان الأسود يتصاعد في المكان، الذي تحول إلى بركة من الدم. يستذكر أبو عاصي، لحظات القصف الهستيري: "أكثر ما يؤلمني أن رمضان رحل عن الدنيا جائعاً، ولم يهنأ بقطعة البيتزا التي انتظرها طويلاً، وعملت جاهداً كي أفرحه بها، لكنه رحل على عجل، وتركنا نتخبط في بحر من الحزن والدموع".
ويوالي لـ"الشرق": "هكذا، ودون سابق إنذار، انفجرت القذائف داخل الاستراحة التي كانت تعج بالنازحين، الباحثين عن متنفس للحياة، حيث لا فسحة في غزة بين الدمار والخراب، فتحول المكان إلى محرقة بشرية، وتعالت أصوات الصراخ والبكاء، ففي قطاع غزة لا يوجد استراحة من القتل".
استشهد نحو 35 مواطناً، وأصيب أكثر من 50 آخرين، ولم تكن هناك أطقم طبية أو سيارات إسعاف قريبة، ما ضاعف أعداد الشهداء، وسجلت مشاهد مرعبة وصادمة بعد انقشاع غبار المجزرة، فهذا طفل قضى قبل أن يتمكن من الوصول إلى حضن أمه، وآخر سقط بجانب الصحن الذي كان تناول طعامه منه للتو، وجريح يبحث عن ساقه، وآخرون شوهت ملامحهم، لدرجة أصبح من الصعوبة بمكان التعرف عليهم.
"أرادوا قتل الحياة وكل ما يرمز إليها، فاغتالوا الاستراحة التي يتنفس من خلالها الناس" قالت أنوار أصلان وهي من الناجيات، موضحة أن "هنالك عائلات صغيرة قضت بالكامل، الأم والأب والأولاد.. الأم كانت أسرع إلى الموت من طفلها، الذي حاول تحريك رأسه النازف، كي يلتفت إليه من ينقذه، وعندما لم يجد، إستراح إلى الأبد".
ويرى مواطنون غزيون، أن استهداف الجيش الإسرائيلي للأماكن العامة كالمطاعم والمقاهي والأسواق، لم يكن عبثاً، وإنما جزء من استراتيجية ممنهجة، هدفها ترويع السكان، وقتل الروح المعنوية، وهذا سلاح نفسي هدفه ايصال رسالة واضحة، بأن لا مكان آمن في غزة، لا شاطىء ولا مطعم ولا خيمة نزوح، وفق قول أحدهم.
في استراحة غزة، انقلب كل شيء في لحظات مجنونة، ومن أغمض عينيه لحظة القصف العابث، فتحها على مشهد لا يحتمل، فحتى البحر كان صامتاً وهو يرقب قتل الحياة، ويرمق أجساد أطفال غضة لم يتعرف عليهم أحد، ولم يتسن حتى السؤال عن قصتهم، فالحكاية ستظل مبتورة الأطراف فوق الركام، ومرسومة بقصة ذلك الطفل، الذي خانته ذراعه القصيرة، في بلوغ حضن أمه.