شهيد كيس الدقيق

كانت صرخات الطفل صامد غبن ابن الـ12 عاماً، تشق الصخر، وهو يجثو على جثة والده، يهز جسده ويناديه بصرخات مبحوحة ربما لا يسمعها العالم: «يابا رُد علي.. يابا قوم ما تتركني.. أنا ما بقدر أعيش من بعدك» في مشهد يدمي القلوب قبل العيون، لكنه لم يعد استثنائياً، ففي قطاع غزة، الموت ينتظر الآباء ويتربص بهم عند مراكز «المساعدات».
كان صامد ينتظر أن يعود إليه والده بكيس من الطحين، لكنه عاد محمولاً على الأكتاف، فالأطفال في غزة لا ينتظرون الهدايا، بل ينتظرون من لا يعود. لقد امتدت آلة القتل ، باتجاه المواطن محمـد غبن 37 عاماً، فنالت منه ليسقط شهيداً، ويلتحق بمواكب عشرات المئات من الشهداء الذين يسقطون يومياً في رحلة البحث عن لقمة العيش.
استشهاد أبو عمر حدث عندما اندفع مسرعاً، من أجل الظفر بكيس طحين يسد به أود أطفاله، فكانت وجهته المنطقة المسماة زوراً «مساعدات إنسانية» والتي حولها جيش الاحتلال، الى مصائد للموت، فكان من ضمن ضحايا مجزرة الطحين. محمـد غبن، ووفقاً لجاره في خيام النزوح، منصور أبو عمر، كان مسكوناً برغبة جامحة كي يلبي متطلبات أطفاله، موضحاً أن الطحين أصبح أغلى من الأرواح، وصار الجوع يُقايض بالحياة.. 70 شهيداً ثمن كيس الطحين.. غزة تنزف خبزاً ودماً.
ويضيف لـ»الشرق»: «الموت عند مراكز المساعدات يكون مرة واحدة، لكننا نموت كل يوم عندما نرى أطفالنا يتضورون جوعاً». في قطاع غزة، يُشترى كيس الطحين بالدم لا بالنقود، ومن متناقضات المشهد، أن محمـد غبن استشهد وبجانبه كيس طحين مكتوب عليه «مساعدات إنسانية» !.