تحذيرات من فتاوى مضللة للذكاء الاصطناعي

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر
حذر عدد من العلماء والدعاة من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في استصدار الفتاوى الشرعية، مؤكدين أن هذا الأمر لا يجوز شرعًا، لما ينطوي عليه من مخاطر شرعية وعلمية. وأوضحوا أن التقنيات الحديثة، رغم تطورها، لا تمتلك الأهلية العلمية والشرعية التي تؤهلها للإفتاء، وقد تسهم في تضليل الناس، خاصة حين يتعلق الأمر بأحكام الدين التي تحتاج إلى اجتهاد دقيق وفهم عميق للنصوص والواقع.
وأكدوا في تصريحات لـ "الشرق" أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة مساعدة في مجال الفتوى، لكن لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر مستقل، ولا أن يُنظر إليه كبديل عن العلماء المؤهلين، الذين أمضوا سنوات في تحصيل العلم الشرعي، ويملكون القدرة على فهم المقاصد الشرعية وتنزيل الأحكام على الوقائع المعاصرة. وأشاروا إلى أن غياب الرقابة على استخدام هذه الأدوات قد يؤدي إلى نشر فتاوى مغلوطة أو متطرفة، ما يشكل تهديدًا لمنظومة الفتوى القائمة على العلم والانضباط.
كما أبدى المختصون تخوفهم من تصدّر بعض المنصات التقنية أو التطبيقات التجارية للفتوى الشرعية، دون وجود مرجعية علمية واضحة، وهو ما قد يفتح الباب أمام فوضى فقهية. وشددوا على أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة، وتوجيه المسلمين نحو العلماء الثقات في الأمور الشرعية، خاصة في زمن باتت فيه المعلومات متاحة وسهلة الوصول، لكنها ليست دومًا موثوقة أو دقيقة.
ودعوا المؤسسات الدينية الرسمية إلى المسارعة في وضع ضوابط شرعية وتقنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الديني، بما يضمن الاستفادة من هذه التقنية في الإرشاد والتعليم، دون المساس بحرمة الفتوى أو إضعاف مكانة العلماء. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمثل الذكاء الاصطناعي خطرًا على منظومة الفتوى الإسلامية؟ أم أنه مجرد أداة تقنية يمكن تسخيرها بحذر لخدمة العلم الشرعي؟
د. عايش القحطاني: الفتوى عملية فكرية عميقة تتطلب الإلمام
يرى فضيلة الشيخ الدكتور عايش القحطاني، أن الفتوى ليست مجرد نقل للمعلومات أو استخراج حكم من كتاب، بل هي عملية فكرية عميقة تتطلب الإلمام بأحوال الناس وتغيراتهم وظروفهم الاجتماعية، إلى جانب فهم مقاصد الشريعة الإسلامية.
وأضاف القحطاني: إن الذكاء الاصطناعي، رغم قدرته على تحليل النصوص وتقديم إجابات سريعة، يفتقر إلى العنصر الإنساني الذي يعتمد على الحكمة والتجربة في فهم واقع المستفتي، ما قد يؤدي إلى فتاوى غير دقيقة أو غير ملائمة للسياق الذي طرحت فيه المسألة.
وأكد على أن الفتوى تستند إلى الاجتهاد، وهذا أمر لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام به، لأنه يعتمد على مدخلات رقمية لا تعي حقيقة المتغيرات البشرية المتجددة، موضحا أن أصحاب الاختصاص والفقهاء يصدرون الفتوى بناء على علمهم ومعرفتهم العميقة بمقاصد الشريعة وظروف المجتمع، وليس على نصوص مجردة، وهذا ما يجعل الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في الفتوى أمرا غير ممكن، وغير جائز أبدا.
د. عمار رياض: لا يمكن أن يحل محل العلماء والمجتهدين
وقال الدكتور عمار رياض خبير الذكاء الاصطناعي: إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مفيدة في البحث الفقهي، لكنه لا يمكن أن يحل محل العلماء والمجتهدين، حيث إن الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل كميات هائلة من المعلومات واستنتاج بعض الأحكام بناء على البيانات المخزنة، لكنه لا يستطيع إدراك البعد للتشريع الإسلامي، ولا يمكنه فهم الفوارق الدقيقة بين الحالات المختلفة، وهو أمر يعتمد فيه الفقيه على ملكة الاجتهاد والتأمل العميق، ويضيف أن بعض الناس قد يعتمدون على الفتاوى الصادرة من هذه الأنظمة دون مراجعة العلماء، وهذا يشكل خطرا، لأن الفتوى ليست نصا جامدا، بل تحتاج إلى سياق وتفسير وفهم أوسع.
وشدد على أن الفقيه لا يعتمد فقط على النصوص، بل يستخدم أيضا أدوات الاجتهاد مثل القياس والمصلحة المرسلة وسد الذرائع، وهذه أمور لا يمكن للذكاء الاصطناعي التعامل معها بوعي حقيقي.
وأوضح، أن التقنية يمكن أن تكون إضافة مهمة لعلم الفقه، إذا تم استخدامها بطريقة صحيحة، حيث إن الذكاء الاصطناعي لا يعمل بشكل مستقل، بل يعتمد على المدخلات التي يضعها المبرمجون، وبالتالي يمكن ضبطه بحيث يعمل كأداة مساعدة للعلماء، وليس كبديل لهم.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل كميات ضخمة من النصوص الدينية بسرعة فائقة، واستخراج الأحكام المتشابهة وربطها ببعضها البعض، مما قد يساعد العلماء في إصدار الفتاوى بشكل أسرع وأكثر دقة في حال توافقها مع علمهم.
د. محمود عبد العزيز: لا يصح إسناد الفتوى للذكاء الاصطناعي
قال فضيلة الشيخ الدكتور محمود عبد العزيز إن الفتوى مسؤولية عظيمة لا يمكن إسنادها إلى تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي حيث إن الذكاء الاصطناعي قد يساعد الباحثين في الوصول إلى المصادر الشرعية بسهولة، لكنه لا يستطيع أن يحل محل العلماء الذين يملكون القدرة على التمييز بين الأدلة المتعارضة، واختيار الأصلح، وفقا للزمان والمكان.
وحذر فضيلة الشيخ من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الفتوى قد يؤدي إلى نشر فتاوى مغلوطة، خاصة إذا تمت برمجة النظام على أسس غير دقيقة أو إذا استقى معلوماته من مصادر غير موثوقة.
وشدد على ضرورة أن تبقى الفتوى في يد العلماء المؤهلين، مع إمكانية الاستفادة من التقنيات الحديثة في تسهيل البحث العلمي ويرى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيدا إذا استخدم كأداة مساعدة للعلماء، لكن لا ينبغي أبدا اعتباره بديلا عن الفقيه الذي يمتلك المعرفة والفهم العميق للأحكام الشرعية.
وطالب بأن يكون هناك إشراف من علماء دين مؤهلين لضمان أن الفتاوى التي يتم تقديمها عبر الأنظمة الذكية تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، حيث إن الذكاء الاصطناعي يظل أداة، ويحتاج إلى التوجيه البشري السليم لضمان أن يتم استخدامها بشكل مناسب، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيدًا في تسهيل الوصول إلى المعرفة الدينية وتقديم الفتاوى إذا كان يتم استخدامه بحذر وتحت إشراف علماء مؤهلين، ولكن إذا تم استخدامه بشكل غير دقيق أو تم الاعتماد عليه في فتاوى معقدة دون إشراف، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تضليل أو تقديم فتاوى غير موثوقة.
بهاء الأحمد: استغلال هذه التقنية لنشر فتاوى غير دقيقة
أما بهاء الأحمد مهندس تقني، فحذر من استغلال هذه التقنية لنشر فتاوى مغلوطة غير دقيقة، مما قد يؤدي إلى انتشار الفتاوى الخاطئة بين الناس، خاصة في ظل انتشار المعلومات على الإنترنت دون رقابة كافية.
وأكد على ضرورة وضع ضوابط صارمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الديني، بحيث يكون دوره مساعدا للعلماء وليس منافسا لهم.
وأضاف: إن الذكاء الاصطناعي قد يشكل تحديا في مجال الفتاوى ولابد من التعامل معه بحذر في هذا المجال، موضحا أن المشكلة ليست في التقنية ذاتها، بل في كيفية استخدامها فإذا تم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي بحيث تكون مكملة لدور العلماء وليست بديلة عنهم، فإنها قد تكون مفيدة في تسهيل البحث الشرعي، وترتيب المعلومات، وتقديم مقترحات قد تساعد الفقهاء في إصدار أحكامهم.