قانون الانتخابات: القلق من نظام «النسبية»

تذكرت فيلمًا كوميديًا لطيفًا بطولة أحمد حلمى، اسمه «جعلتنى مجرمًا» وأنا أطالع صباح أمس الصحف، وأقرأ عن موافقة مجلس النواب بشكل نهائى على تعديلات قوانين الانتخابات، وهى تشمل تقسيم دوائر مجلس النواب، وتعديل قانون مجلس الشيوخ لإعادة تقسيم الدوائر.الجزء، أو الفكرة اللطيفة التى وردت فى الفيلم وتذكرتها وأنا أتصفح الجرائد، عبارة عن نصيحة قدمها بطل الفيلم لصاحب الشركة الصناعية التى تقدم للحصول على وظيفة فيها، بأن ينتج هو بنفسه سلعًا متعددة ينافس بها الآخرين فى السوق، ولا يكتفى بسلعة واحدة.. واختصر النموذج الذى يقصده بما اعتبره حكمة أو مثلًا شعبيًا: «كُل نفسك قبل ما حد ياكلك». وشرح وجهة نظره بأنها فكرة تسويقية جيدة تلجأ لها شركات ومؤسسات عملاقة هنا وهناك. الآن نراها يتم تنفيذها على أرض الواقع، ولكن فى ميدان سياسى!تصورنا ونحن نتابع جلسات الحوار الوطنى، الذى امتد لشهور طويلة، أننا مقبلون على تغييرات مهمة وتحسين لمستوى الأداء السياسى، وتشجيع فئات جديدة على المشاركة الحزبية فى الانتخابات على كل مستوياتها. شباب كثيرون صدقوا ما سمعوه وانتظروا الخطوة التنفيذية. الجزء الأعظم من جلسات الحوار ركز على أهمية حدوث تعديلات جوهرية فى قوانين الانتخابات، فيما ناقشت لجان أخرى أهمية الانتهاء من قانون الإدارة المحلية. وللعلم فإن لدينا فى نظامنا التشريعى ستة قوانين تنظم كل منها انتخاب مجلس النواب، والشيوخ، وتقسيم الدوائر، ومباشرة الحقوق السياسية، والهيئة الوطنية للانتخابات، والإدارة المحلية.تلكأت الحكومة والقيادات الحزبية فى البرلمان فى تقديم التعديلات المقترحة فى قوانين الانتخابات، ثم قدمته فى وقت ضيق للغاية، وقبيل نهايات دور الانعقاد الحالى بأسابيع معدودة، لتخرج تعديلات لا تتماشى مع الطموحات والأفكار الوطنية المتعددة التى قدمت فى الحوار الوطنى، أو ما وعدت به القيادة السياسية العليا أكثر من مرة. كما أن أحدًا لم يتعرض من قريب أو بعيد للانتهاء من القانون المنظم لانتخابات المحليات، وهى كيانات سياسية معطلة لنحو عقدين كاملين.أنا تصورت فى بداية مناقشات مجلس النواب لهذه التعديلات أن هناك مشاريع مختلفة قد قدمها نواب آخرون، يتحيزون فيها للقائمة النسبية فى الانتخابات البرلمانية. الأصوات الغالبة فى الحوار الوطنى تحمست للقائمة النسبية، أما القائمة المطلقة، التى أقرت للانتخابات، لم يعد يعمل بها أحد فى العالم غيرنا تقريبًا. وكل الادعاءات والحجج بشأن أنها تسمح بوصول فئات بعينها للبرلمان بنسب محترمة ومؤثرة، وأن النظام الفردى وحده، وكذلك القائمة النسبية لا يناسبان ظروفنا، مردود عليه بحجج قانونية وإجرائية جيدة، والذين تحمسوا للنسبية، فى جلسات الحوار، كان من بينهم نواب برلمان قريبون من النظام، إضافة لمجموعة من السياسيين المستقلين والأكاديميين.لدينا عشرات الأحزاب التى تطمح للعمل السياسى والمشاركة الإيجابية والوصول للبرلمان. بعضها ينطلق من مرجعيات فكرية جيدة ومتميزة. الوزن النسبى لغالبيتها يضمن تعاطى نسبة محدودة من الرأى العام معها بما يتيح وصولها للبرلمان، ولكن بعدد مقاعد محدود. هذا إذا كانت قوانين الانتخابات قد تغيرت بصورة طبيعية.لا أفهم أو أقتنع بالمبررات والأسانيد التى تعطل وصولنا لحياة سياسية طبيعية فى مصر.من السهل على أى شاب أو شابة، حتى لو كانوا غير منغمسين فى العمل السياسى، أن يعرفوا كيف تطورت الحياة السياسية فى دول حولنا للأمام، فيما ندور نحن فى نفس الدائرة القديمة. أى لا نتقدم فى الاتجاه الصحيح. نتعامل فى السياسة بلغة الستينيات وما أدراك ما كان فيها من ممارسات وأساليب. والآن فى منتصف عام ٢٠٢٥، يصدر مجلس النواب تعديلات قانونية لا تتيح الوصول إليه وإلى مجلس الشيوخ إلا لأحزاب مختارة. فى هذه الأثناء، ظهر حزب جديد مدعوم من أجهزة الدولة بقوة، تهافتت النخب السياسية والإعلامية والرياضية للانضمام إليه. غالبيتهم جاءوا من أحزاب أخرى، لكنهم يقرأون المستقبل جيدًا، ويعرفون أنهم سيربحون هنا أكثر. أشهد بأنهم متميزون وناجحون ويتمتعون بالكفاءة، لكن هناك أيضًا آخرين غيرهم يتمنون أن يسهموا فى العمل العام، ولا تتاح لهم الفرصة لذلك، بدلًا من إتاحة الفرصة لأحزاب جديدة للوصول للبرلمان كما كنا نتمنى، فإن المنافسة، ثم المشاركة وتمثيل الأغلبية سيذهبان لحزبين سياسيين محسوبين على النظام ولصيقين بالحكومة.. على طريقة أحمد حلمى فى الفيلم الذى بدأت به!