رسالة موجهة إلى أعضاء مجلس النواب المصري الكرام

رسالة موجهة إلى أعضاء مجلس النواب المصري الكرام

السادة أعضاء مجلس النواب المحترمون، وأخص بالذكر أعضاء اللجنة الدينية،السلام عليكم،اسمحوا لمواطن مصري منحكم صوته عن ثقة، أن يخاطبكم اليوم من موقع من يرى فيكم ممثلين عن إرادته وإرادة الشعب، لا مقرِّرين فيما يخصّ عقيدته ودينه. أكتب إليكم اليوم لا تشكيكًا في نواياكم، بل تفكيرًا بصوت عالٍ، راجيًا أن يجد صوتي صدى لديكم.القانون الجديد: خلط بين الرأي والحكملقد ساوى مشروع القانون المقترح بين الحكم الشرعي وبين الرأي الفقهي، فأضفى على الرأي طابع التقديس، كأنما يساوي بين كلام الله وبين كلام البشر. وسوّى بين “الشرعي” وبين “الفقهي”، متناسيًا خطورة تقديم الفتوى بوصفها “شرعية”، ما يضفي عليها إلزامًا دينيًا، بينما حقيقتها أنها رأي اجتهادي، غير ملزم.تعدٍّ على ما لله وحدهبهذا المنطق، يكون القانون قد اقترب دون أن يقصد – وأنا على يقين أن لا أحد من واضعيه تعمّد ذلك – من التعدّي على ما هو من حق الله وحده. إذ لا يجوز لبشر أن يفرض رأيًا في الدين على أنه “الحق المطلق”، ويلزم به العباد، كل العباد، في كل شئون حياتهم.مصادرة الفكر والرأيالقانون ينتقص من حرية الفكر حين يطلب من الناس ألا يُعملوا عقولهم في فقه دينهم، بل يُفوِّض القانون هذا الحق إلى جهات بعينها، يتم اختيار أعضائها بدون تفويض من الشعب أو من مجلس نوابه، ويطالبهم القانون بمبدأ “السمع والطاعة” لهيئة كبار العلماء، وهو المبدأ المستغل في الدين السياسي. كما ينتقص القانون من حرية الرأي، حين يُجرّم من يعبّر عن اجتهاده أو يُخالف ما يسمى “الفتوى الشرعية العامة”، ملوّحًا بعقوبات مالية ومقيدة لحريات المخالفين.إخلال بالمساواة وتكافؤ الفرصحصرُ الفتوى في يد قلة مختارة دون غيرهم ممن لهم باع في العلم والاجتهاد يُخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص، ويخلق طبقة دينية فوق الناس، ويمنع غيرهم من “الفتيا”، ولو عن علم واستحقاق. إن الدين ليس حكرًا على أحد، بل هو علاقة فردية بين العبد وربه.انتهاك لمدنية الدولة والدستورينحرف القانون عن روح الدستور ويخرق مبدأ مدنية الدولة، حين ينقل سلطة إصدار الأحكام التي تنظم الحياة العامة من يد النواب المنتخبين إلى “هيئة كبار العلماء”. ويمنح هذه الهيئة دون سواها حق فرض ما يسميه “الفتوى الشرعية العامة” الملزِمة، فوق رأي الدولة وممثلي الشعب. ويؤكد ذلك أن اللجنة الدينية الي اعتمدت بصفة مبدئية القانون قبل عرضه على الجلسة العامة مكونة من أعضاء مسلمين ومسيحيين، والجلسة العامة التي قامت بالتصويت النهائي من نواب الشعب المسلمين والمسيحيين، ولم يتم النداء على المسيحيين بمغادرة القاعة، كما أن القانون صدر عن مجلس النواب باسم الشعب وليس باسم المسلمين منهم.رقابة بوليسية غير مسبوقةلا يكتفي القانون بالعقوبات، بل يضع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في موقع الرقيب، مراقِبةً للرأي، فارزةً من يُسمح له بالكلام، ومن يُسكت، في خرق خطير لحرية التعبير، وما يترتب على ذلك من وظيفة الضبطية القضائية وملاحقة المخالفين والزج بهم إلى ساحات القضاء المثقل بأعبائه الجسيمة.فتوى خاصة أيضًا تحت الوصاية!حتى الفتوى الخاصة، التي يطلبها فرد بعينه، والتي لطالما كانت متاحة عند شيوخ القرى والنجوع، جعلها القانون محصورة بمؤسسات رسمية، في إخلال خطير بما هو حق فطري للفرد في الرجوع لمن يثق بعلمه وورعه.نداء إلى من يهمه الأمرإنني، بصفتي مواطنًا مصريًا، ومحبًّا لوطني وديني، أناشد كل عضو في مجلس النواب، وكل مسؤول في الحكومة، وعلى رأسهم السيد رئيس الوزراء والسادة الوزراء، وأخص بالذكر فضيلة الشيخ وزير الأوقاف، أن يسارعوا إلى مناشدة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتأجيل التصديق على القانون، واعادته لمجلس النواب لمزيد من الدراسة، حفظًا لما تبقى من ثقة المواطنين في دولتهم وممثليهم، ولرفع الحرج عن السيد رئيس الجمهورية فيما بين خيارين كلاهما عسير: التصديق على قانونٍ فيه عوار دستوري وديني، أو رفضه والتعرض لتأويلات تمس الشرعية الدستورية.ولنترك ما لله لله، وما للناس للناس. وليبقَ الدين لا إكراه فيه.المواطن: