ربما يكون في ذلك خير يا سيدي

كثيرًا ما نتعجل في الحكم على الأمور ونأخذ بالأسباب الظاهرة ونحن لا ندري أن كل شيء يحدث في حياتنا إنما يحدث لحكمة لا نعلمها، وقد يتاح لنا أحيانًا أن نعرفها وأحيانًا لا يتسنى لنا ذلك، كما أننا نتعجل دومًا تحقيق أمنياتنا رغم أن بعضها لو تحقق قد يكون فيه تعاستنا وأحيانًا تتحقق أمنياتنا بعد وقت طويل فنعتقد أنها قد تأخرت ولا ندري أنها قد جاءت في الوقت المناسب تمامًا.وبعد أحداث كثيرة مرت في حياتي وسنوات عشتها تيقنت أن كل شيء يأتي في موعده وأن الله يختار لنا الأفضل ولكن مع أحداث الحياة المتزاحمة وضغوطها أحيانًا نغفل عن هذه الحكمة فنتضايق إذا جرت الأمور بترتيب مختلف عما خططنا له، وهذا ما حدث لي ذات يوم عندما قابلت سيدة لطيفة اسمها أستاذة “سناء” – وهي تعمل مدرسة لرياض الأطفال – جاء تعارفنا بعد صدفة غريبة فقد حجزت موعد استشارة عند أحد الأطباء وأكدت على السكرتيرة أن تحدد لي الوقت الذي يجب أن احضر فيه لأن لدي مواعيد كثيرة خلال اليوم، ولما حضرت للعيادة بناء على الوقت الذي حددته لي فوجئت أن عليَّ الانتظار حوالي ثلاث ساعات، وقد تضايقت بشدة ولم أدري ماذا أفعل؟ في ذلك اليوم كان مطلوبًا مني تسليم تقرير خاص بالعمل قبل الساعة الثامنة مساء، وفي نفس الوقت ابنتي عندها درس سيستغرق ساعتين، فإذا انتظرت في العيادة لن تتمكن ابنتي من الذهاب للدرس، ولن أستطيع إرسال التقريرفي موعده وإذا عدت للمنزل سيضيع على الأقل ساعة ونصف في الطريق.. وسألت ابنتي عن رأيها؟ فقالت: للأسف مضطرين للانتظار.. وبينما أنا في هذه الحالة اقتربت مني ا. سناء وقالت لي بهدوء يبدو أن ما حدث لخبط مواعيدك. قلت لها بالفعل وحكيت لها ما أشعر به من ضيق وتوتر، فقالت لي بلطف لعله خير، أنا قادمة من “بنها” بصحبة ابنتي وانتظرت ثلاث ساعات في العيادة وربما لا أستطيع أن أعود لمنزلي قبل 3 ساعات أخرى على الأقل، ومع هذا لعله خير، فابتسمت لها، فقالت لي سأحكي لك حكاية كل ما أشعر أني متوترة أو متضايقة لأن الأمور لم تجري كما كنت أريد أتذكر هذه الحكاية فأهدأ، فقلت لها احكي لي.. قالت لى يحكى أنه كان هناك ملك وله وزير وكان وزيره دومًا يقول لعله خير يا مولاي وذات يوم خرج الملك مع وزيره في رحلة صيد وبينما الملك يطارد أرنبًا بريًا أصيب أحد أصابعه بجرح شديد فقال الوزير للملك لعله خير يا مولاي، فتعجب الملك من قوله ولم يرد، ولما عاد الملك إلى قصره اشتد عليه الوجع فجاءه الطبيب وقال له يا مولاي آسف بشدة ولكن لا بد من بتر الأصبع المصاب وإلا فحياتك في خطر، وبالفعل تم ما أشار به الطبيب، وكان الملك متألمًا بشدة مما أصابه فشكا للوزير ما يعاني منه ولكنه فوجئ بالوزير يقول له يا مولاي لعله خير فتضايق الملك بشدة وقرر إيداع وزيره في السجن. ومر عام كامل ونسي الملك ما حدث واشتاق أن يذهب للغابة وفي هذه المرة ذهب وحده ولم يكن يعرف الغابة جيدًا فتوغل فيها لدرجة أنه تاه ولم يعرف كيف يعود إلى قصره واستمر في السير طويلًا وبينما هو على تلك الحال قبض عليه مجموعة من البشر شكلهم غريب ومخيف ولسوء حظه كانوا من آكلي لحوم البشر فأخذ يصرخ فيهم ولا مجيب وقالوا له إنهم سيقدمونه قربانًا لكبيرهم في يوم الاحتفال العظيم. وفي يوم الاحتفال جاء واحد منهم ليأخده من سجنه وقدموه للمسؤول ليبدأ تنفيذ الحكم فإذا بالرجل يغضب بشدة ويقول لهم كيف تقدموا قربانًا معيبًا؟! وأشار إلى أصبع الملك وأمرهم أن يطلقوا سراح الأسير لأنه لا يصلح أن يكون قربانًا وبالفعل أطلقوا سراح الملك وظل الملك يحاول العودة إلى قصره حتى هداه الله للطريق وعاد وهو في حاله يرثى لها.وبعد أن أفاق الملك من الصدمة تذكر أن وزيره لا يزال في السجن منذ عام فقال في نفسه سأطلق سراحه كما أطلقوا سراحي وبالفعل جاء الوزير إلى الملك وحكى له الملك كل ما جرى له وكيف نجي بأعجوبة، وقال الملك لوزيره آسف على أني أبقيتك في السجن عامًا كاملًا، فقال الوزير شكرا يا مولاي الحمد لله لعله خير فتعجب الملك وقال له ما الخير في أن تسجن عامًا كاملًا لمجرد كلمة قلتها؟فقال الوزير: يا مولاي لو لم تكن أصيبت أصبعك في حادثة لما نجوت من هؤلاء القوم، ولو أنك لم تأمربسجني لكنت سأذهب معك في رحلة الصيد وعندما سيقبض القوم علينا سيطلقون سراحك وسوف يلتهمونني لأنني أصلح قربانًا، فالحمد لله أن السجن عام نجاني من أن أؤكل حيًا وقطع اصبع واحد منك نجى بسببه باقي جسدك. وبعد أن انتهت سناء من سرد القصة شعرت بهدوء شديد مكنني أن اتخذ بعض القرارات فاتصلت بمس ناهد وأبلغتها أن ابنتي نورا لن تستطيع الحضور إلى الدرس في الساعة السادسة وسألتها هل يمكن أن تحضر الساعة الثامنة والحمد لله لم تعترض مس ناهد وقالت سأكون في انتظارها لا مشكلة. ثم أرسلت رسالة إلى مديرتي في العمل أبلغتها أنني لن أستطيع إرسال التقرير كاملًا اليوم وسوف أرسله في شكله النهائي في اليوم التالي وأرسلت لها الجزء الذي انتهيت منه. ورغم أنني لم أر أستاذة سناء إلا مرة واحدة في حياتي وربما لن يتسنى لي أن أراها مرة أخرى ولكني أرسل لها تحية تقدير، وأقول لها شكرًا لك لقد ذكرتني بشيء غاب عني في لحظة ولو كنت استمررت في ضيقى واستيائي مما حدث لما تمكنت من إصلاح الموقف. لذلك أنا مقتنعة أن كل ما يحدث لي خير، ولا أزال كلما تضايقت أو تأخرت عن موعد أو جرت الأقدار بشيء لم يكون متوقعًا أقول في نفسي لعله خير حتى الأيام الصعبة والتجارب المؤلمة التي مررت بها في حياتي أدركت أنها أنارت طريقي في الحياة وجعلتني اكتشف نفسي وأفهمها وأتقبلها كما هي واحبها كما هي،ولا أفكر أن أغير نفسي من أجل شخص ما فمن يحبني سوف يتقبلني كما أنا. وقد كانت لي أحلام كثيرة تحقق بعضها والبعض الآخر لم يتحقق وحرمت من أشياء فعوضني الله بأشياء أخرى، ومن أجمل النعم التي أنعمها الله علي هي نعمة الامتنان والشكر لله وأنا أحب أن ينعم من حولي بالسعادة حتى وإن كنت أمر بأوقات عصيبة. كما أنني أحب أن أسامح في الوقت الذي يمكنني فيه أن انتقم وأتقبل نفسي كما هي بتفاصيلها المتنوعة، ولدي قدرة على أن أمنح الحب لمن أعرفهم ومن لا أعرفهم، أحب الطيور والحيوانات وحتى الجماد وأشعر بأنهم يغمرونني بفيض من الحب واستطيع أن استمتع بجمال الكون ونسمات الهواء وتقلبات الفصول فلكل شيء جماله الخاص ولكل إنسان ميزة، وأنا أحب أن أرى الجمال فيمن حولي وأسعى إلى أن أجد أرضية مشتركة مع من أتعامل معهم لأن كل منا كيان قائم بذاته.. دمتم في حفظ الله وعنايته وألقاكم على خير.