من نهر النيل إلى نهر الفرات: مصر والعراق، رائدا الحضارة المعمارية والتنموية

خلال مشاركته في القمة العربية الـ34، في العاصمة العراقية، بغداد، ألقي الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل دقائق، كلمته، والتي أكد خلالها علي، صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقه المشروع في أرضه ووطنه، وأن المنطقة تواجه تحديات معقدة وظروفا غير مسبوقة.
علي ضفاف دجلة والفرات نشأت حضارة العراق
كلمة الرئيس السيسي، عن مصر في القمة العربية الـ34، والتي تعقد ــ “في ظرف تاريخي حيث تواجه منطقتنا تحديات معقدة” ــ من العاصمة العراقية بغداد، والتي شهدت منذ بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، في القرن الثاني الميلادي، المئات من الأحداث والوقائع، والتي تباينت بين الإزدهار والإضمحلال.فكما كانت بغداد عاصمة الدنيا وحاضرة الزمان، عرفت الفنون والعلوم، وأنجبت الموصلي، والمتنبي، أبا نواس وأبو فراس الحمداني، الرازي، الكندي، وأبو حنيفة النعمان، وصولا إلي نازك الملائكة، السياب، الجواهري، البياتي، ومظفر النواب، وجواد سليم والذي مازالت جداريته شامخة تستقبل زوار العراق.شهدت أيضا عصور ظلام واضمحلال، بلغت ذروتها في لحظات مفصلية عدة في تاريخها، من دهس خيول المغول لها وإحراق مكتباتها حتي أن المؤرخين ذكروا أن نهري دجلة والفرات ظلا ماءهما أسود لأسابيع من كثرة الكتب التي أغرقت فيه علي يد المغول.لكن بغداد كالعنقاء تبعث ثانية من تحت الرماد، وتعيد بناء الحضارة والعلم والفن والجمال، وتزدهر أحوالها وأحوال شعبها، ليغار منها مغول العصر الحديث، ويتعرض الغزال العراقي ابن دجلة والفرات، حفيد عشتار وجلجامش، للهجمات برابرة العصور الحديثة. وتستنزف قوي العراق في حرب بين إيران في ثمانينيات القرن المنصرم دامت لأكثر من 8 سنوات، وما أن تسترد العراق جزء من عافيتها حتي تحاك مؤامرة القوي الغربية عليها بقيادة أمريكا بذريعة إيواء وانتماء مرتكبي أحداث 11 سبتمبر، وحيازتها لأسلحة نووية وكيميائية.فتفرض العقوبات الغربية علي العراق، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف طفل عراقي لنقص الأدوية والأغذية، حتي أن أمريكا ضمت في قائمة المواد المحظور علي العراق استيرادها “الأقلام الرصاص”، أقلام الصبية والأطفال في المدارس اعتبرتها أمريكا مكون من مكونات الأسلحة النووية ــ مادة الرصاص ــ في الأقلام.وتشن حرب الخليج الأولي لتزيل حضارة العراق، تتبعها بالثانية، وصولا إلي احتلال العراق، احتلالا صريحا مباشرا في العام 2003، ليدخل العراق في نفق مظلم لا يخرج منه إلا قبل سنوات قليلة، تخللتها هجمة داعش الإرهابية، التي نالت هي الأخري من الحضارة العراقية، فنهبت ثروات الشعب العراقي، سواء مخزون بنكه المركزي ومتحفه الوطني، مرورا بنفطه الذي كانت تسرقه عصابات داعش لتبيعه لأوروبا عبر تركيا، وصولا إلي تحطيم وتدمير أغلب الآثار العراقية والتي تعود إلي القرن الثاني قبل الميلاد. لكن العراق ينجح في دحر قوي الظلام وكعادته مثل العنقاء التي تبعث من رمادها في كل مرة تحترق، يبعث العراق وشعبه من كل نيران تختبر أصالة معدنه، ويستقبل اليوم أعمال القمة العربية الـ34.
من النيل إلي الفرات.. مصر والعراق ابنتا حضارة البناء والعمران
يكاد علماء الإنسان والمؤرخين من شتي بقاع الأرض وعبر التاريخ، لا يختلف أثنين علي أن وجود الأنهار أصل أساسي في قيام ونشأة أية حضارة إنسانية شهدها التاريخ البشري.ففي مصر وعلي ضفاف النيل، قامت أول دولة وحضارة في التاريخ الإنساني في الألف السادسة قبل الميلاد، وكانت تلك هي الوحدة الأولى لمصر. ووقتها كانت الدنيا ظلاما، وكانت الجماعات البشرية الصغيرة المتناثرة على خريطة العالم ما زالت في مرحلة الهمجية الأولى ما قبل التاريخ والحضارة.ووفقا للدكتور “أحمد النجار”: “تفككت مصر بعد ذلك لمدة ألف عام ذاق الشعب خلالها الأمرين من الصراعات بين المقاطعات، لكن مصر استعادت وحدتها المستمرة من عهد الملك مينا عند نهاية الألف الرابعة قبل الميلاد أو بتاريخ تقريبي نحو 3200 قبل الميلاد وحتى الآن وإلى الأبد”. وكونت مصر دولة أرست أسس الحضارة والضمير الإنساني، بينما كانت الجماعات البشرية في كل العالم ما تزال على تناثرها وهمجيتها إلا من بؤر صغيرة في سومر (العراق) وبعض أودية الأنهار الكبرى في آسيا.ويؤكد العديد من المؤرخين، أن الحضارة المصرية التي نشأت حول ضفاف نهر النيل، كانت مجايلة للحضارة التي أسسها العراقيين حول ضفتي دجلة والفرات، فنشأت الحضارات: البابلية، والسومرية، الآكادية والآشورية. حتي أن أول قانون في التاريخ عرفته البشرية ينسب إلي حمورابي، أو قوانين حموابي، وهي مجموعة قوانين بابلية يبلغ عددها 282 مادة قانونية سجلها الملك حمورابي سادس ملوك بابل، والذي حكم من سنة 1792 إلى سنة 1750 قبل الميلاد على مسلة كبيرة أسطوانية الشكل، والتي تكاد تكون متقاربة تاريخيا مع قوانين “ماعت” التي ذكرت في كتاب الموتي.