هل سيمهد مقتل “غنيوة الككلي” الطريق لإنهاء هيمنة الميليشيات في غرب ليبيا؟

فتح مقتل عبد الغني الككلي، الشهير بـ«غنيوة» رئيس جهاز دعم الاستقرار في ليبيا (ميليشيا مسلحة)، في اشتباكات بالعاصمة الليبية طرابلس، الباب أمام التساؤلات حول مستقبل ليبيا السياسي والأمني، وهل يكون بداية لنهاية سيطرة الميليشيات المسلحة على الغرب الليبي.وتعيش ليبيا حالة من الفوضى الأمنية والسياسية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في 2011، ولم تنجح جهود الأمم المتحدة والفرقاء السياسيين في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية كانت مقررة نهاية العام 2021.وأصبحت ليبيا مسرحا للجريمة المنظمة والاتجار في البشر بعدما تحولت إلى ممر عبور للمهاجرين غير الشرعيين في طريقهم إلى السواحل الأوروبية، ونشطت الميليشيات وعصابات التهريب التي تسيطر على مناطق كبيرة، وتحتجز المهاجرين في مقرات احتجاز غير قانونية.
خطف واغتصاب واستيلاء على الممتلكات
وقال الأكاديمي والحقوقي الليبي الدكتور عبدالمنعم الحر، إن ما حدث مؤخرًا في طرابلس كان متوقعًا، لكن ليس بهذه الصورة ولا بهذا الاستعجال. وأوضح أنه “لو لم تتم العملية بالشكل الذي جرت به، لسالت المزيد من الدماء في طرابلس”، مشيرًا إلى أن مقتل الككلي أدى إلى انهيار قواته، واستيلاء القوات المكلفة باقتحام منطقة أبو سليم على المقرات والمعسكرات التابعة له.
وأضاف الحر لـ”الدستور”، أن الككلي كان يُعد أحد الأطراف المؤثرة داخل العاصمة، إلا أن خلافاته المتصاعدة مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إلى جانب الانتهاكات التي ارتكبها الرائد سيف الككلي – ابن أخيه – من قتل وخطف واغتصاب واستيلاء على ممتلكات عامة، أدت إلى تصاعد المطالبات بتسليمه، لكنه رفض ذلك، فكانت النتيجة مقتله.وأكد “الحر” أن هناك ضغوطًا دولية ومحلية متزايدة لإخراج “الدبيبة” من المشهد السياسي، إلا أن الأخير استغل الفرصة وأجرى بعض التعديلات التي تصب في مصلحة ملف حقوق الإنسان، لاسيما في طرابلس والمناطق الخاضعة لسيطرته.. ومن أبرز تلك الخطوات، حلّ قوات الشرطة القضائية التي كان يقودها أسامة نجيم، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة تعكس محاولة لإعادة ضبط أداء المؤسسات بما يتماشى مع احترام القانون.وأشار إلى أن من بين القرارات الهامة أيضًا، إعادة تشكيل وهيكلة جهاز الأمن الداخلي، الذي كان يدين بالولاء لـ “الككلي”، بالإضافة إلى ضم مديريات أمن بعض المدن الصغيرة إلى مدن أكبر قريبة منها، بهدف فرض الأمن ومكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في المنطقة الغربية.وشدد أنه “إذا كانت الحكومة جادة فعلًا في القضاء على الميليشيات، فعليها أن تتعامل مع الواقع المؤلم، حيث توجد ثلاجات ممتلئة بالجثث وسجون مكتظة بالمعتقلين، نتيجة ممارسات هذه المجموعات المسلحة”.وفي سياق حديثه عن تعقيدات المشهد الأمني، أكد أن مشكلة ليبيا عميقة جدًا فيما يتعلق بوحدة المؤسسات واحتكار السلاح بيد الدولة، مشيرًا إلى أن المؤسسة العسكرية نفسها منقسمة إلى جهتين، ما يثير تساؤلات حول من يمثل الجيش الليبي: هل هي القيادة في المنطقة الشرقية أم في الغربية؟وأضاف أن الطريق ما زال طويلًا أمام الدولة لاحتكار السلاح، خاصة في ظل وجود مدن أصبحت ذات نفوذ قوي، وتستطيع تشكيل حكومات محلية وتسيير مصالحها بشكل شبه مستقل عن السلطة المركزية.وختم الدكتور عبدالمنعم الحر بالإشارة إلى أن القضاء على بعض الميليشيات ذات النفوذ المحدود قد يكون ممكنًا، لكن هناك مجموعات مسلحة تملك من القوة والنفوذ ما يجعل من الصعب على الدبيبة أو غيره الوصول إليها، في ظل صراعات داخلية بين هذه الميليشيات نفسها من أجل السيطرة على الموارد ومصادر النفوذ.
هشاشة البنية الأمنية وتوازن القوى
من ناحيته، أكد الدكتور عبدالمنعم حسين اليسير، العضو السابق في المؤتمر الوطني الليبي العام ورئيس لجنة الأمن القومي، في تعليقه على مقتل عبد الغني الككلي (غنيوة) وتداعياته على المشهد الليبي، أنه لا يمكن اعتباره نهاية لحقبة الميليشيات في غرب ليبيا.

وقال اليسير لـ«الدستور»، إن ما حدث تطور يسلط الضوء على هشاشة البنية الأمنية وتوازن القوى القائم على الولاءات المسلحة. وأضاف أن الككلي كان أحد أبرز رموز هذا الواقع، وغيابه قد يعيد تشكيل خارطة النفوذ، إلا أنه لن يُنهي ظاهرة المجموعات المسلحة، خصوصًا في ظل استمرار تحالف هذه الميليشيات مع حكومة الوحدة الوطنية، وتقاسمها للسلطة والنفوذ والموارد على حساب بناء الدولة.وحول توقعاته لسيناريوهات المرحلة المقبلة في سياق غياب الككلي، قال اليسير إن السيناريو الأقرب هو إعادة توزيع مناطق السيطرة بين الفصائل المسلحة، سواء من خلال صفقات سياسية مؤقتة أو عبر مواجهات عنيفة. وأضاف أن هذا الحدث يجب أن يُعتبر فرصة لدفع مسار الحل السياسي الحقيقي، من خلال تنفيذ اتفاق اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، وتفكيك التشكيلات المسلحة تدريجيًا.وأعرب اليسير عن أسفه من أن ليبيا ستظل رهينة لحالة اللاشرعية والانقسام ما لم تُجرَ انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة كما كان مقرّرًا في ديسمبر 2021، والتي تم تعطيلها بفعل الميليشيات المتحالفة مع السلطة التنفيذية. وشدد أنه في حال تنفيذ اتفاق 5+5، وإنهاء التدخلات الخارجية، وإجراء الانتخابات دون تأخير أو إقصاء، فإن ليبيا يمكن أن تبدأ عملية استعادة وحدة المؤسسات خلال عام إلى عامين، وأن تصل إلى احتكار السلاح بيد الدولة خلال 3 إلى 5 سنوات.