الروائي العراقي على بدر: صنع الله إبراهيم ساهم في إعادة اكتشافي لبيروت.

الروائي العراقي على بدر: صنع الله إبراهيم ساهم في إعادة اكتشافي لبيروت.

تعليقا علي خبر الأزمة الصحية التي يمر بها الكاتب الكبير، ، علق الروائي العراقي علي بدر على الأزمة الصحية التي يمر بها الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم،مشيرًا إلى أن الأخير يعد بالنسبة له رمزًا أخلاقيًا حادًّا في مشهد أدبي طالما تراوح بين الانحناء والانكسار. 

الروائي العراقي علي بدر: صنع الله إبراهيم جعلني أعيد اكتشاف بيروت

وأوضح “بدر”، عبر منشور له على “فيسبوك”: “عرفت صنع الله إبراهيم أول مرة على الورق، قرأت كل ما كتب وقد اقتربت من وهج تجربته عندما قرأت روايته “بيروت بيروت”، تلك التي جعلتني أعيد اكتشاف المدينة، فأتماهى مع تفاصيلها كلما زرت لبنان: الصحف المترنحة، المقاهي المرهقة، الشوارع التي تحتفظ برائحة البارود والحنين، كنت أعتبرها نصًا وثائقيًا يدحر الوهم، مثلما يدحر صنع الله الخيال باللغة الصارمة المدهشة”. وتابع “بدر”: “ثم جاء اللقاء الحقيقي: كان في سيؤول، في مؤتمر عالمي عن الأدب، هناك، جلسنا لساعات نتبادل الأفكار، كأننا نحاول محو المسافة بين السجن والمقال، بين زمن القمع وزمن الكتابة، لقد بدا لي في أول انطباع عنه شخص طيب، لكن لغته حين يناقش أشبه بمبضع جراح: قاطعة، صارمة، ترفض التزيين، قال لي بصوته الخافت: أنا لا أكتب كي يعجب بي الناس، انما أكتب كي أكشف الحقيقة لنفسي”. كانت تلك الجملة مفتاحًا لفهم موقفه من الجائزة التي مُنحت له عام 2003 من وزارة الثقافة المصرية في عهد مبارك، قبل الدعوة، حضر الاحتفال، صعد إلى المنصة، ثم قلب الطاولة: رفض الجائزة، صدمة صامتة عمّت القاعة، وراح البعض يتلفّت، خشية أن يعتقلوه على الفور، لكنها لم تكن نوبة غضب عابرة، بل فعلًا محسوبًا من رجل خبر الاعتقال مبكرا، منذ انتمائه للحزب الشيوعي المصري، وسجنه في الواحات لسنوات”. 

رأي صنع الله إبراهيم في مجايليه من المثقفين

وتابع “بدر” حديثه عن صنع الله إبراهيم: “ذلك الرفض لم يكن فقط رفضًا للجائزة، بل لزمن بكامله، بعده انسحب إلى عزلته في بيته بالقاهرة، كأنما قرر أن ينهي المعركة دون هدنة، لم يكن من النوع الذي يقيم علاقات ناعمة مع السلطة الثقافية، حتى علاقته بجابر عصفور كانت متوترة، مشوبة بالتناقض بين المثقف النقدي والمثقف المؤسسي فهو يعتقد أن أي مثقف يقبل منصبًا من الدولة، عليه أن يتخلى عن دوره في مساءلتها، جابر، الذي دافع لاحقًا عن حرية التعبير، كان في نظر صنع الله إبراهيم مَن شرعن اختطاف الثقافة في دهاليز السلطة، وكان يراه تجسيدًا لتحوّل المثقف من شاهد إلى موظف، لم يكن صدامه مع أصدقائه القدامى أقل قسوة”. مع “يوسف القعيد” مثلًا، تباعدا تدريجيًا، لأن القعيد قبل أدوارًا استشارية للدولة وظهر في لجانها الرسمية، وهو ما اعتبره صنع الله تخليًا عن الاستقلال، كذلك كان ساخرًا من علاء الأسواني، لا بسبب رواياته، بل بسبب ما رآه بهرجة إعلامية وتهريجًا سياسيًا لا يُثمر، حتى بهاء طاهر، الذي جمعته به صداقة طويلة، كان ينظر إليه لاحقًا كمثقف طيب لكنه اختار أن يكون خارج لحظة الإدانة، الوحيدان اللذان احتفظ نحوهما بودّ خاص، وإن خفي، هما إبراهيم أصلان وصبري حافظ، أصلان لأنه كان صامتًا مثل رخام، وحافظ كان حادا مثل سكين.وشدد “بدر”: “لم يكن صنع الله إبراهيم، إذن، يقاطع زملاءه، بل يحاكمهم، لم يكن يهاجمهم، بل يكشف هشاشتهم، وقد يكون هذا ما جعل العزلة بيته الأخير: تلك العزلة التي لم تكن انسحابًا، بل موقفًا صارمًا، كأن الكتابة لا تُكتب إلا من قاع السجن أو شرفة الرفض، إن قصة هذا الكاتب العظيم الذي يرقد الآن في المستشفى لا تتلخص فقط في رواياته ولا في سجنه، بل في قدرته العجيبة على أن يظل ثابتًا في زمن التقلّب، وعلى أن يُبقي الكلمات مسنّنة، نافرة، غير قابلة للهضم، هذا هو صنع الله إبراهيم لم يكن يسعى إلى أن يُحب، بل إلى أن يُقلق، وهذا أعظم ما يمكن أن يفعله كاتب في هذا العالم الكسول”.