جولة ترامب الخليجية.. أسئلة النفوذ والمصالح

جولة ترامب الخليجية.. أسئلة النفوذ والمصالح

لم تكن زيارات الرؤساء الأمريكيين إلى دول الخليج منذ مرحلة الحرب الباردة مجرد جولات بروتوكولية، لأنها لم تكن يوما خارج حسابات المصالح الصلبة.في زيارته المرتقبة إلى السعودية وقطر والإمارات، يعود دونالد ترامب – الرئيس الأكثر إثارة للجدل داخليا وخارجيا – إلى مسرح السياسات الخليجية من بوابة الشراكة والصفقات، ومن خلف ستار التوترات المتصاعدة في الإقليم، من إيران إلى غزة، ومن ممرات الطاقة إلى خطوط التطبيع.بحسابات الرسائل السياسية، تبدو الزيارة تأكيدا جديدا على أولوية الخليج في حسابات واشنطن، ومحاولة لإعادة ضبط العلاقة مع “الحلفاء الكبار” في المنطقة بعد سنوات من التردد والتباعد.وفي لغة المصالح، فإن الزيارة تسعى إلى تثبيت معادلة: الأمن مقابل الاستثمارات، والغطاء السياسي مقابل توسيع المصالح الاقتصادية. لكن أي أمن؟ وأي استثمارات؟وهل ما تحتاجه واشنطن في هذه المرحلة هو مجرد صفقات بمليارات الدولارات تعزز إرثًا متآكلا في إطار ما يبحث عنه ترامب لجعل أمريكا عظيمة مجددا؟أم أنها تبحث عن استعادة نفوذ أخذ يتآكل مع صعود قوى أخرى تمارس تأثيرها في ذات الفضاء، من بكين إلى موسكو؟الزيارة تأتي في لحظة مفصلية، حيث تتحرك دول الخليج وفق رؤى مختلفة عن سابق عهدها.لم تعد الرياض تنتظر الضوء الأخضر من البيت الأبيض في الملفات الإقليمية، ولا باتت أبوظبي تلتزم بالنسخ القديمة من الشراكة الأمنية مع واشنطن.نحن في مرحلة تأخذ السعودية فيها قرارات داخل منظمة “أوبك” على غير رغبات واشنطن، وتتحرك الإمارات بحرية أكبر في الفضاءات السياسية دون انتظار التعليمات الأمريكيةباتت المصالح أكثر تعقيدا، وخرائط النفوذ أقل وضوحا.في خلفية الصورة، ثمة توتر مكتوم في العلاقات مع إيران، لا تخففه التصريحات ولا ترممه الجولات الدبلوماسية المتقطعة.واشنطن تريد كبح البرنامج النووي الإيراني، دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، لكنها في الوقت ذاته عاجزة عن تقديم تصور واضح لحلفائها حول ما يمكن فعله إذا ما فشلت محادثات فيينا أو جرى تجاوزها نهائيا.تحاول واشنطن طمأنة حلفائها الموثوقين في الشرق الأوسط بأنها لن تتركهم يواجهون منفردين المد الإيراني. ولن تسمح لطهران حتى لو رفعت العقوبات عنها، بمزاحمة عواصم النفط في الإنتاج وبالتبعية في السيطرة على سوق الطاقة الذي يتحكم في اقتصاد العالم.تبدو الزيارة وكأنها محاولة لتعويض التآكل في النفوذ بجرعة من الحضور الرمزي.لكن الرمزية وحدها لا تكفي.السؤال الأكثر جدية الآن: هل تملك واشنطن ما يكفي من أوراق الضغط والإغراء لتحريك مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب، في وقت تبدو فيه غزة جرحا مفتوحا يهدد كل الحسابات؟وهل تستطيع إدارة ترامب التي ترفع شعار “أمريكا أولًا”، أن تقنع شركاءها الخليجيين بأنها لا تزال الحليف الأكثر موثوقية، في زمن التحولات الكبرى؟الاقتصاد سيكون حاضرًا، بلا شك، في صلب المحادثات، لكن الاقتصاد وحده لا يصنع تحالفات مستقرة.ثمة ما هو أعمق: الشعور بالالتزام السياسي، وضمانات الأمن، وفهم السياقات المحلية بعيدًا عن لغة الأوامر أو الابتزاز.في هذا السياق، قد تطرح الإدارة الأمريكية مشاريع مشتركة في الطاقة والتكنولوجيا، لكنها ستكون مطالبة بأن تُجيب – بصراحة – عن أسئلة الشركاء الخليجيين بشأن مستقبل المنطقة.ماذا عن اليمن؟ وماذا عن سوريا؟بل، ماذا عن المستقبل نفسه في الشرق الأوسط: هل تنسحب واشنطن تدريجيا، أم تعيد تموضعها في خرائط جديدة غير مرئية بعد؟في النهاية، تظل زيارة ترامب – بما تحمله من رسائل سياسية واقتصادية – معلّقة على سؤال مركزي:هل نحن أمام استعراض جديد في زمن الخطابات الشعبوية للإدارة الأمريكية؟أم أننا بصدد إعادة إنتاج لمعادلة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، بصيغة جديدة تحمل قدرا من التكيف مع عالم سريع التغير؟السؤال يظل مفتوحا على كافة الاحتمالات، والإجابة مرهونة ليس بما سيقال في المؤتمرات الصحفية، بل بما سيبقى بعد أن يغادر ترامب الخليج.