هل ضحت أوروبا بسيادتها الاقتصادية لتفادي الحرب التجارية؟

هل ضحت أوروبا بسيادتها الاقتصادية لتفادي الحرب التجارية؟

سلطت شبكة سي إن إن الأمريكية، الضوء على العلاقات الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتفادى هجوم ترامب التجاري، ولكن الاتفاق الأوروبي الأمريكي يكشف هشاشة الاتحاد الأوروبي. وأضافت الشبكة، في تقرير صادر لها: “لم يكن هناك شك في أن أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، كانت تحت ضغط شديد الأحد، عندما جلست إلى جانب دونالد ترامب في قاعة الرقص في منتجع الجولف الخاص به في تيرنبري باسكتلندا، استعدادًا لجولة شاقة من المحادثات التجارية، كما توقع المسؤولون الأوروبيون”.

تجنب أسوأ تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية 

وبعد أقل من ساعة على انطلاق اللقاء، خرجت فون دير لاين لتعلن أنه تم تجنب أسوأ تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية مشددة، لكن في المقابل، بدأت الانتقادات داخل الاتحاد الأوروبي تتصاعد على الفور.فبموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اسكتلندا، تم تجنّب حرب تجارية مدمّرة اقتصاديًا، إلا أن قادة أوروبيين ينظرون الآن إلى الثمن الذي سيدفعه التكتل نتيجة قبول رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، في حين أن النسبة كانت تبلغ في السابق حوالي 4.8% فقط.وقد ركّز كل من القادة الفرنسيين والألمان – على خطى رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان – على نتائج الاتفاق، بدلاً من الأضرار المحتملة التي كان يمكن أن يتسبب بها رئيس أمريكي يُعرف بعدائه للاتحاد الأوروبي.رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، كان من بين أولئك الذين رأوا أن التهديد الأمريكي برفع الرسوم الجمركية إلى 30% كان من الممكن تخفيفه إلى معدل 10% كما حصلت عليه بريطانيا. ووصف يوم الأحد بأنه “يوم مظلم لأوروبا”، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي خضع لابتزاز ترامب.ورغم الانتقادات التي وجهها بايرو، فإن الكثيرين في بروكسل اعتبروا أنه كان من الأفضل له اعتماد نبرة أكثر تهدئة، خاصةً أن النزاعات داخل البرلمان الفرنسي عرقلت تمرير الميزانية لعدة أشهر. ومن اللافت أيضًا أن باريس كثيرًا ما تتسبب في الخلافات داخل أروقة بروكسل، ومع ذلك اعترض بايرو على التهديد الأوروبي بفرض رسوم على البوربون الأمريكي، خوفًا على مصدّري النبيذ والبراندي الفرنسيين.وتساءل البعض كيف يمكن لفون دير لاين أن تواجه ترامب وجهاً لوجه، في وقت يبقى الاتحاد الأوروبي منقسمًا داخليًا، حيث تسعى الدول الأعضاء لاستثناء صناعاتها الحساسة من الاتفاق.لكن فون دير لاين قالت إن معظم التنازلات التجارية التي تم تقديمها، بما في ذلك شراء كميات كبيرة من الغاز الأمريكي، كانت ستحدث على أي حال.وهي تأمل أيضًا أن يتمكن الاتفاق من تحييد هوس ترامب بقطاع الصناعات الدوائية الأمريكية، وهو القطاع الذي لم يُدرج حتى الآن في أي اتفاق تجاري، ما يترك حالة من عدم اليقين بشأن الرسوم الأمريكية على واردات الأدوية، في وقت تشعر فيه أيرلندا بقلق بالغ، بعد أن استضافت عددًا كبيرًا من منشآت صناعة الأدوية الأمريكية.ويأمل المسؤولون في بروكسل أن تكون الرسوم الجمركية على صادرات الأدوية الأوروبية إلى الولايات المتحدة هي أيضًا 15%.بدوره، صرّح ديفيد هينيغ، مدير مشروع سياسة التجارة البريطاني في المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، أن النتائج المتوقعة من هذا الاتفاق لن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في التجارة أو النمو الاقتصادي على جانبي الأطلسي، وأضاف:
“لا أحد يربح، لكن العالم سيستمر بالدوران”.وبينما توقّع خبراء اقتصاديون في بنك HSBC أن تكون تأثيرات الرسوم الجمركية طفيفة، فإنهم أشاروا إلى أن الوضوح الذي تحقق سيقلل من حالة عدم اليقين التي كانت تؤثر سلبًا على الأعمال.ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير للتفاوض عليه، إذ أن الاتفاق الحالي يُشبه “لوحة انطباعية” أكثر من كونه “صورة واضحة المعالم”.وبينما يقترب الصيف من نهايته، تأمل فون دير لاين في أن يتجنب المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني الانضمام إلى جوقة المنتقدين، خشية إعطاء ترامب مزيدًا من النفوذ التفاوضي في المرحلة القادمة.وقد تُشجع الضعف الواضح في موقف الاتحاد الأوروبي التفاوضي قادة آخرين على النظر في المقترحات التي طرحها رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ورئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، ماريو دراغي، والذي قدّر أن الحواجز التجارية الداخلية داخل الاتحاد تعادل حوالي 50% على السلع و110% على الخدمات.ودعا دراغي إلى جهد جماعي لتعزيز الاستثمار وتنظيم السوق الداخلي، وهو الأمر الذي اعتبره السبيل الوحيد لوقف السياسات الاقتصادية الوطنية الضيقة التي أثبتت فشلها اقتصاديًا واجتماعيًا.لكن الواقع أن الاتفاق الغامض الذي أبرمته فون دير لاين، والذي خفف من آثار تهديدات ترامب دون حل جذري، سيمنح الاتحاد الأوروبي فرصة جديدة للاستمرار في سياساته المترددة، ويترك تقرير دراغي عرضة للنسيان مجددًا.