الكيان الصهيوني: تصعيد إجرامي آخر!

الكيان الصهيوني: تصعيد إجرامي آخر!

  “آفة حارتنا النسيان”، هكذا كان “نجيب محفوظ” يقرع لنا جرس الإنذار حتي نتذكر ولا ننسى، ما حل بنا ودفعنا ثمنه أهولًا وكوارث كبرى حين لم نقرأ جيدًا دروس الماضي قريبه وبعيده!
    مناسبة هذا الاستشهاد، خطوة إجرامية جديدة، أعادت إلى الأذهان ذكري المُمارسات الاستعمارية البغيضة، التي كان يُظن؛ ويُشاع، أنها انتهت إلى غير رجعة، لأشد عهود التوحش الأمريكي والأوروبي ضراوةً في مواجهة الشعوب، حينما راحت أساطيل الغرب وجحافل عسكره، تبحث في شتّى بقاع المعمورة عن أراضٍ للاحتلال، ومراكز للنهب، ومطامع للاستغلال، وأيدٍ عاملةٍ مجّانية صالحةٍ للاستعباد، فتسوقها للخدمة، مُسَلسلةٍ في سفنٍ بائسةٍ كانت تُستخدم لاستقدام الجاموس والأبقار، فيموت منهم مَن يموت، ومَن يبقى على قيد الحياة، يعيش حياة المذلة والمهانة، والقهر والانكسار! 
    هذا ما فعلته جماعات الـ “WASP الـ “White Anglo-Saxon Protestant”، العنصرية مع زنوج أفريقيا السمراء، بعد أن أبادوا أهل القارة الأمريكية الأصليين، الهنود الحمر، بالحيلة والمسدس والدهاء والمُخاتلة، وهو عين نحو مانراه وتراه البشرية عيانًا بيانًا، الآن، كل صباح ومساء، فيما ترتكبه الصهيونية الفاشية الإسرائيلية، في حق شعب فلسطين الأبي، على مسمع ومرأي من العالم أجمع: عربه قبل غربه، دون أن يوقفها أحد!
    فإمعانًا في التنكيل بالشعب الفلسطيني صوت الكنيست الإسرائيلي، في 23 يوليو 2025، بأغلبية 71 صوتًا مقابل 13، لصالح اقتراح يدعو إلى “فرض السيادة الإسرائيلية على جميع أنحاء الضفة الغربية، بما يشمل غور الأردن”! 
    وقد وصف القرار الضفة الغربية (التي يُطلق عليها إسرائيليًا “يهودا والسامرة وغور الأردن”) بأنها “جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، الموطن التاريخي والثقافي والروحي للشعب اليهودي”!
     كما نص القرار على أن “إسرائيل لديها الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني في جميع أراضي أرض إسرائيل”، ودعا الحكومة إلى “تطبيق السيادة والقانون والإدارة الإسرائيلية على جميع مناطق الاستيطان اليهودي بجميع أنواعها في يهودا والسامرة وغور الأردن”!
    ورغم أن هذا القرار يُعتبر إعلان موقف غير مُلزم للحكومة الإسرائيلية، ولا يُعد قانونًا نافذًا بحد ذاته، فإنه يعكس توجُّهات وتطلُّعات اليمين المُتطرِّف والديني الصهيوني، ويضع قضية الضم على جدول أعمال النقاشات المستقبلية في البرلمان، وبما يُهدد بالتهام الكيان الصهيوني ماتبقي من أرض فلسطين، استمرارًا في دهس كل القوانين والأعراف الدولية، واحتقار جميع قرارات المؤسسات الأممية، والتأكيد على أن “قانون القوة” أفعل من “قوة القانون”، كما لو كان هو الأساس الآن للعلاقات بين الدول والأمم والشعوب، وأن البقاء للأقوي ولا مكان لضعفاء الإرادة، وفاقدي العزم، ومسلوبي القدرة على أي مكان في هذا الكوكب التعيس… وهكذا يلوح بلطجي العالم المعاصر “رونالد ترامب” بهراوته، ويُطلق العنان لربيبه الصهيوني.. فيركع الجميع!
    والحق أن ما يفعله الكيان الصهيوني بشعوبنا وأوطاننا ليس بالأمر الخافي أو المُستحدث، وموجود في صلب أسفارهم ووثائقهم، القديمة (كالتوراة)، وفي دراساتهم ومنشورات مراكز أبحاثهم.. بل وفي صحفهم اليومية، وبرامجهم التلفزيونية،… إلخ، لكن “العرب لا يقرأون”، حسب تعبير “موشيه دايان”، وزير الدفاع الصهيوني الأسبق، للأسف الشديد، وإلّا لكانوا قد وعوا مايُدبر لهم بليل، وما يكمن وراء الأكمة لكي ينقض عليهم!
    ودليلنا على ذلك ما جاء في كتاب “الدولة اليهودية” الذي صاغه “نبي الصهيونية” الأشهر: “تيودور هرتزل”، حول كيفية تعامل “الدولة” التي لم تكن قد وُلدت بعد، ولم يتيسر لها الوجود إلا بعد نحو نصف قرن، مع أعدائها المُستقبليين: العرب والفلسطينيين!
    يقول “هرتزل”: “إذا أردنا أن نقيم اليوم دولتنا، فلن نُقيمها بنفس الطريقة التي كانت هي الإمكانية الوحيدة منذ ألف سنة. إنه من الغباء الرجوع إلى المراحل الحضارية (!) السابقة كما كان يريد كثير من الصهاينة أن يفعلوا”!
   ويُكمل: ” لنفرض، كمثال على ذلك، أنه كان علينا أن نُخلي أرضًا من “الحيوانات المفترسة”، فلن نقوم بالمهمة بنفس الطريقة التي اتبعها الأوربيون في القرن الخامس. فلا يصح أن نأخذ رمحًا وحربةً ونخرج أفرادًا وراء الدببة، بل ينبغي أن ننظم مجموعة قوية من الصيادين، فنسوق “الحيوانات” لنجمعهم معًا في “مكان واحد”، ثم نقذف في وسطهم بقنبلة مُدمِّرة”! (نص من كتاب “الدولة اليهودية، تيودور هرتزل، ترجمة أ. محمدة يوسف عدس، مراجعة ودراسة أ. د. عادل غنيم، نشر مركز نصوص، القاهرة، 2006، ص: 82).
    ألم يُثر الوزير الإسرائيلي المجرم “بيتسليئيل سموتريتش” الجدل بتصريحاته العنصرية ضد الفلسطينيين، التي جاءت استلهامًا من أفكار رسول الدم والخراب “هرتزل”:، حيث وصفهم بـ “أبناء حشرات”، (حشرات بشرية)، خلال تصريحات له في مارس 2023. كما أن هناك تصريحات أخرى لمسؤولين إسرائيليين متطرفين يُشَبِّهون الفلسطينيين بالحيوانات، أو يدعون إلى حرمانهم من الأساسيات مثل الطعام والماء، مثلما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق “يوآف غالانت”، في أكتوبر 2023، بعد أحداث 7 أكتوبر، بأن إسرائيل ستقطع الكهرباء والطعام والماء عن غزة، قائلًا: “نحن نحارب حيوانات بشرية”، مما أثار إدانة دولية واسعة، وألم تكن هذه التصريحات الإجرامية تعكس خطابًا عنصريًا مُتصاعدًا داخل أوساط الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتُستخدم كأداة لتبرير سياسات عقابية جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين، كما يحدث الآن ويوميًا؟!
    وألم يتم جمع مئات الآلاف من فلسطيني غزة، (أو الحيوانات البشرية) كما ينظر إليهم القتلة الصهاينة وأشياعهم الأمريكيين والأوربيين، وتجويعهم وتعطيشهم، وحشرهم في “مكان واحد”، أو “مدينة إنسانية!” مزعومة، لتسهيل استهداف عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال العزل، بـ “القنابل المدمرة”، في كل يوم على امتداد نحو 22 شهرًا، وهدم بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم ودور عبادتهم… إلخ.. كما أوصاهم صاحب مشروع “الدولة الفلسطينية”: “هرتزل”، إلى حدٍ  لم تتمكن  صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، (16 يوليو 2025)، من إنكاره، فأقرت بأنه: “لم يعد لسُكّان قطاع غزة مكان يعودون إليه، عالمهم العادي وحياتهم اليومية لم يعودا موجودين. إن الدمار موجود في كل المستويات: البيت، والمؤسسات العامة، مكان العمل، مؤسسات التعليم، والأراضي الزراعية.. كل شيئ تم تدميره”!!
    وقد يتساءل البعض: لماذا هذا الاهتمام المصري الكبير بغزة وفلسطين، ومؤخرًا سوريا واستقرارها وطبيعة نظام حكمها؟، والجواب قدمه لنا الدكتور “جمال حمدان”، الباحث الكبير في جغرافية مصر السياسية، في بحثه الأشمل: “شخصية مصر:  دراسة عبقرية المكان”: “كل خطر خارجي يُهدد الشام، يهدد مصر تلقائيًا؛ بل نكاد أن نقول أن مصير مصر مرتبط عضويًا، تاريخيًا وجغرافيًا، بمصير الشام عمومًا، وبالأخص منه فلسطين.. فالذي يُسيطر على الشام يهدد مصر استراتيجيًا، مثلما يُهددها هيدرولوجيًا مَن يُسيطر على السودان”.