غرفة الفوضى: استراتيجية الإخوان المسلمين في تركيا لنشر الشائعات وزعزعة الاستقرار

فى مساء يوم عادى، تحولت وسائل التواصل الاجتماعى إلى ساحة ضجيج مشبوه، العنوان العريض الذى تصدّر «ترندات» عدد من الصفحات المحسوبة على الإخوان: «اقتحام مقر أمن الدولة بالمعصرة ومحاصرته حتى فتح معبر رفح»!تبدو الجملة فى ظاهرها مزيجًا من الجموح والعبث، لكنها فى العمق تحمل دلالات أخطر، تتصل ببنية منظومة دعائية تنشط من تركيا، تقودها أسماء معروفة داخل الجماعة، تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ما يشبه «غرفة عمليات إعلامية لإرباك الدولة المصرية».محاولة ترويج شائعة اقتحام «أمن الدولة بالمعصرة» ليست مجرد كذبة عابرة، بل هى فصل جديد من معركة خفية تديرها جماعة الإخوان من الخارج، بوسائل أقل كلفة وأكثر خطورة.وفى الوقت الذى تكشف فيه مؤسسات الدولة زيف هذه المزاعم، يبقى الرهان على وعى الجمهور، وعلى تفكيك البنية التنظيمية لهذه «الغرفة المظلمة» التى تسعى لإغراق مصر فى دوامة فوضى إعلامية لا تتوقف.أصل الشائعة بدأت على تليجرام، إذ بث حساب إخوانى تابع لخلية إلكترونية يقودها الإخوانى الهارب علاء السماحى، مساء أمس الأول، خبرًا عن «اقتحام جماهيرى لمقر أمن الدولة بالمعصرة»، مدعومًا بمقطع فيديو مفبرك.لم تمر دقائق حتى أعادت حسابات أخرى مشاركة الخبر، أبرزها صفحات يديرها الإعلامى الإخوانى هيثم أبوخليل، الذى وصف الأمر بـ«بداية انتفاضة شعبية من أجل غزة»، مستندًا إلى خبر مزعوم لا مصدر له، كما أنه بث شائعة أخرى، إذ حاول عبر صفحته تكذيب بيان الداخلية بعدم حدوث الواقعة، وتمادى فى أكاذيبه و«حذر من قتل الشباب الذين فبركوا الواقعة»، فى محاولة منه لاستثارة الغضب الجماهيرى ضد الدولة.كما كتب القيادى الهارب هيثم أبوخليل عدة منشورات عبر صفحته على وسائل التواصل الاجتماعى تروج لمجموعة من الأوهام التى لا تدور إلا فى عقله المريض، وهى منشورات تبدو كأنها إشارة مباشرة إلى عناصر الخلايا النائمة داخل مصر للتحرك، أو على الأقل خلق وهم بأن ثمة حراكًا قائمًا.بعد بضع ساعات، أصدرت وزارة الداخلية بيانًا رسميًا نفت فيه بشكل قاطع وقوع أى أحداث أو اشتباكات فى منطقة المعصرة، مؤكدة أن الأوضاع مستقرة تمامًا، وأن ما تم تداوله هو فبركات إلكترونية هدفها إثارة البلبلة وبث الأكاذيب.وإذا أردنا معرفة من يقف خلف الشائعة فعلينا النظر إلى عدد من قيادات الإخوان فى تركيا الذين يديرون ما يسمى بـ«وحدة الإعلام التعبوى»، وهو كيان غير معلن، يتولى شن حملات دعائية ممنهجة تستهدف فبركة الأخبار المصورة، عبر إعادة استخدام لقطات قديمة أو مفبركة، وتحريك الخلايا الإلكترونية فى لحظات محددة، لخلق موجات متزامنة من التضليل، وتوجيه الخطاب الإعلامى الخارجى لقنوات مثل «مكملين» و«الشرق» وغيرهما، حسب خريطة رسائل يومية.وتضم هذه الوحدة كلًا من يحيى موسى، مسئول التنسيق الإعلامى والتعبئة العامة، القيادى بحركة حسم، عضو المكتب السياسى لحركة ميدان، العقل المدبر لأعمال العنف ضد الدولة، وعلاء السماحى، قائد الجناح المسلح للتنظيم أحد المشرفين على وحدة «الفبركة الإعلامية»، وهيثم أبوخليل، وهو واجهة ناعمة، لكنه لاعب نشط فى تمرير الرواية المختلقة للغرب والمنظمات الحقوقية.أيضًا تضم الوحدة أحمد مولانا، القيادى بالجبهة السلفية وحركة «ميدان»، المسئول عن التأصيل الشرعى لتكفير النظام والجهاد المسلح ضده، ورضا فهمى، رئيس المكتب السياسى بحركة «ميدان» الإخوانية، المسئول عن إعداد الخطاب السياسى للثورة ضد النظام المصرى واختلاق الوقائع.ويشكل هذا الخماسى الإرهابى منظومة إعلامية مضللة فى إسطنبول، لنشر الأكاذيب وتضخيم الروايات الكاذبة، وصولًا إلى تحريض مباشر على العصيان المدنى، وترويج مزاعم عن انهيارات فى مؤسسات الدولة، دون تقديم دليل واحد موثق، فضلًا عن التنسيق مع خلايا الداخل واستخدام الشائعات كبوابة لاستثارة الفوضى، تمهيدًا لعمليات إرهابية، حسب ما كشفت اعترافات متهمين سابقين فى قضايا «حسم».ووفقًا للمعلومات فإن مقرًا مغلقًا فى حى «فاتح» بمدينة إسطنبول، يشكل مركز هذه العمليات، والمبنى الذى يحمل واجهة «مركز إعلامى»، يضم فى حقيقته عددًا من غرف المونتاج والإنتاج المرتبطة بشبكة خوادم تبث محتوى مزيفًا على مدار الساعة، إضافة إلى ما يشبه «غرفة أزمات» تدار منها التوجيهات لتشغيل اللجان الإلكترونية.اللافت أن توقيت الشائعة تزامن مع إرسال مصر المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهو ما حاولت جماعة الإخوان استثماره سياسيًا، عبر الدفع برواية مزيفة مفادها بأن «الغضب الشعبى فى مصر يتصاعد، وأن الأمن فقد السيطرة».وهى رواية سبق وأن رُوج لها عقب حادثة «مسجد الفتح» عام ٢٠١٣، لكن فى هذه النسخة، كانت المسألة مربوطة بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية، فى محاولة مفضوحة لاستغلال مشاعر التعاطف الشعبى لصالح أجندات التنظيم.