كمال الشناوي… كيف اجتمعت الجاذبية مع الموهبة لتكوين أسطورة

في تاريخ السينما العربية، قلةٌ هم أولئك الذين استطاعوا أن يجمعوا بين الوسامة والموهبة، بين الكاريزما الطاغية والقدرة على التلوّن بين الأدوار، وكمال الشناوي كان واحدًا من هؤلاء الكبار. لم يكن مجرّد نجم صف أول، بل حالة فنيّة نادرة صنعت أسطورتها الخاصة، ومضت بأناقةٍ على خيوط الضوء، تاركة خلفها أثرًا لا يُمحى.بدأ كمال الشناوي رحلته من الفنون التشكيلية، فكان رسّامًا ومعلمًا للرسم، قبل أن تستدرجه الشاشة الفضية إلى عوالمها. دخل السينما لا كهاوٍ، بل كمشروع نجم مكتمل، يمتلك من الجاذبية ما يكفي ليجعل الكاميرا تشتاق إليه، ومن الموهبة ما جعله يتحرّر سريعًا من قيد “الفتى الأول”، ليخوض أدوارًا مركّبة، متنوعة، ومشحونة بالدلالات.في بداياته، لمع اسمه في أفلام رومانسية اجتمع فيها كثيرًا مع النجمة شادية، ليشكّلا معًا ثنائيًا فنّيًا من أنجح ما عرفت الشاشة العربية، أطلّا فيه بكل تناغم، وكأن السيناريو كتب خصيصًا لهما. ومع مرور الزمن، تخلّى عن النمط التقليدي للبطولة، واتجه نحو الأدوار العميقة التي تتطلّب ممثلًا مُحترفًا، يعرف كيف يُمسك بتفاصيل الشخصية من الداخل لا من الخارج فقط.قدّم أدوار الشرّ بجاذبية نادرة، كما في فيلم “الكرنك”، وأجاد اللعب على مناطق الظلّ في النفس البشرية. وفي “الإرهاب والكباب”، ظهر بهدوء الوزير الكاريكاتوري، الذي لا يُغادر مقعده بينما تنفجر الأحداث من حوله، مؤديًا دوره بخفّة ظلّ وفطنة جعلته أيقونة في الفيلم رغم صغر الدور.لم تكن وسامته عائقًا أمام موهبته، بل بوابة عبور إضافية إلى قلوب الجمهور. لم يتعلّق حضوره بالمظهر وحده، بل امتدّ إلى عمق الأداء، إلى تلك التفاصيل الصغيرة التي يُتقنها الممثل الكبار: النظرة، السكوت، الإيماءة، وطريقة إلقاء الجملة.كان عاشقًا للفنّ بحق، ولم يتوقّف عن التمثيل حتى في سنواته الأخيرة، حيث ظهر في أعمال درامية عكست نضجًا إنسانيًا وفنيًا كبيرًا. لم يكن يخشى الزمن، بل كان يتكيّف معه، ليبقى حاضرًا في ذاكرة أجيال متعاقبة، كلّ منها عرفه بشكل مختلف: نجمًا وسيمًا، ممثلًا دراميًا، أو فنانًا شامخًا يتقن لعبة التحوّل.وعلى المستوى الإنساني، عُرف كمال الشناوي بلباقته وهدوئه وصدقه في التعامل. تزوّج أكثر من مرة، وكانت علاقاته الشخصية دومًا محطّ اهتمام، لكنه ظلّ يحافظ على صورته كفنان مثقف وراقٍ، يُجيد فصل الفنّ عن الحياة الخاصة.رحل كمال الشناوي، لكن اسمه لم يغادر الشاشة. كلّ مرة يُعرض فيها أحد أفلامه القديمة، نكتشف فيه شيئًا جديدًا، نُعيد تأمل أدائه، ونفهم كيف يصنع الكبار مجدهم ببصمة لا تُنسى.