الإخوان وإسرائيل: وحدة في محاولة للنيل من مصر

ابحث فى سجلات التاريخ، الشاهد الأمين والحكم العادل، عن موقف جماعة الإخوان من إسرائيل، لن تجد كلمة واحدة بين سطور صفحاته، تشى بأن الجماعة رفعت السلاح يومًا فى وجه إسرائيل ولو لمرة واحدة، وأن كل ما تبنته مجرد شعارات نظرية ترددها لمآرب وأهداف شخصية، واللعب على وتر مشاعر البسطاء لتجنيد البعض، واكتساب تعاطف البعض الآخر، بشعارات من عينة (على القدس رايحين، شهداء بالملايين)، ووصفهم بأنهم أحفاد القردة والخنازير.. سجلات التاريخ تؤكد أن جماعة الإخوان لم تشارك يومًا فى عمل نضالى واحد ضد إسرائيل، سواء عندما اُحتلت سيناء عقب نكسة 67 أو فى انتصار أكتوبر العظيم 1973، لكن ومنذ أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011، تكشفت حقيقة الجماعة وما خرج من رحمها من تنظيمات تحمل مسميات مختلفة، من الجهاد والجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، سابقًا، إلى هيئة تحرير الشام، حاليًا، وغيرها من المسميات التى يعج بها ملف الإسلام السياسى.. لقد أسقطت الأقنعة وصارت وجوه قياداتها وأعضائها سافرة، فقد تبين وبالأدلة خطبهم ود إسرائيل، وأن كل ما كانوا ينادون به من شعارات معادية لها مجرد، شعارات مُضللة.. وحتى عندما كانوا يبررون مواقفهم من إسرائيل على الأرض، بأنهم ليسوا فى سدة الحكم، فقد واتتهم الفرصة فى السنة السوداء، 2012، فى مصر، لنجد تقاربًا من الجماعة لإسرائيل وحميمية فى العلاقات بينهما!.
وهنا أُذكر بما كتبه عماد الدين حسين في جريدة (الشروق) بتاريخ الثاني عشر من يوليو 2014، تحت عنوان (لماذا لم يحارب مرسى إسرائيل؟)، حين قال إنك تسمع على مواقع التواصل الاجتماعي، استنكارًا إخوانيًا، ومن بعض (المراهقين سياسيا)، لأن الجيش المصرى والجيوش العربية لم تتحرك لنصرة الاشقاء فى غزة ضد العدوان الصهيونى.. هؤلاء ينسون أن نفس العدوان الإسرائيلى تكرر بحذافيره ضد قطاع غزة، عندما كانت تحكمها حماس فى نوفمر 2012، وعندما كان الرئيس الإخوانى، محمد مرسى، يترأس مصر، وكان أحد مناصبه أيضًا، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولم نسمع أنه أصدر أمرًا بتحريك الجيش لتأديب (أحفاد القردة والخنازير) كما كان يحلو له ان يقول، عندما كان نائبًا فى مجلس الشعب فى عهد حسنى مبارك.. الذى حدث على أرض الواقع، أن مرسى هنأ بيريز بعيد احتلال فلسطين، وطلب من الأجهزة الأمنية المصرية أن تتصل وتتواصل مع العدو الصهيونى، فى الترتيب لاتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس.. مرسى فعل ذلك، لأنه أدرك الحقائق على أرض الواقع، والأهم أن منابر إخوانية كثيرة تباهت بالنجاح الدبلوماسى البارز لمرسى!!.
الأفضل لأنصار الإخوان ـ قبل أن يطالبوا الجيش المصرى بالتحرك ـ أن يطالبوا حماس وبقية فصائل المقاومة أن يتوحدوا معًا اولًا، وأن يقولوا للإرهابيين الذين يدعمونهم، أنهم يوجهون بنادقهم فى الاتجاه الخطأ، وبدلًا من محاربتهم الجيش المصرى، عليهم العبور من الانفاق السرية فى رفح والعودة لغزة، ومن هناك يقاتلون العدو الحقيقى، وهو إسرائيل.. لو أن أنصار الإخوان وحماس اقنعوا أصدقاءهم بهذه المسألة البسيطة، لربما أسدوا أفضل خدمة للأمة الإسلامية بأكملها.. عليهم أن يقولوا للإرهابيين: حاربوا الصهاينة، فإذا قتلوكم فأنتم شهداء، وإذا تغلبتم عليهم فسوف تعود فلسطين لنا، وبعدها يمكنكم ان تفكروا فى غزو مصر وإقامة الخلافة الإسلامية.. لن نتمكن من هزيمة إسرائيل ومشروعها الاستيطانى العنصرى، إلا بعد ان نخلص عقولنا من كثير من الخرافات والأوهام.
يُخبرنا التاريخ، أن الإخوان لم يخفوا موقفهم في حروب مصر المتعددة مع اسرائيل، إلا في العدوان الثلاثي عام 1956، حين هاجمت بريطانيا وفرنسا واسرائيل مصر، إذ تعاملوا في تلك الفترة بانتهازية شديدة مدّعين (الحياد)، كما وصف بعض المؤرخين موقفهم في تلك الفترة، وإن كانوا ينتظرون هزيمة حكومة الثورة وقتها.. رفض الإخوان، وجناحهم المسلح، المشاركة في المقاومة الشعبية في بورسعيد ومدن القناة في حرب 56، على اعتبار أن ذلك كان سيعتبر دعمًا لحكم ضباط ثورة يوليو.. حتى المشاركة في التعبئة الشعبية تقاعسوا عنها، كما كتب يوسف القرضاوي في موقعه على الانترنت، (وما هي إلا أيام حتى جاءتني برقية من وزارة الأوقاف، تطلب إلي أن أحضر بسرعة إلى القاهرة لأتسلم منبر الأزهر، لرفع الروح المعنوية في الشعب في هذه المرحلة الخطيرة في تاريخ مصر، بيد أني لم أتجاوب مع هذه البرقية، وقلت في نفسي: إنهم يستنجدون بي الآن، حتى إذا انكشفت الغمة طرحونا وراءهم ظهريًا!).
في حرب 67، لم يخف الإخوان فرحتهم بهزيمة مصر، واعتبروا ذلك عقابًا لحكومة جمال عبد الناصر على تدخلها في اليمن.. كما اعتبروا هزيمة مصر (عقابًا سماويًا، انتقامًا لحملة حكومة الثورة على الإخوان).. ولخص المرشد العام لجماعة الإخوان، محمد بديع، في رسالته الاسبوعية، في يونيو عام 2011، التي واكبت ذكرى النكسة، بقوله، (بعد كل تنكيل بالإخوان كان الانتقام الإلهي سريعًا.. فعقب اعتقالات 54 كانت هزيمة 56، وبعد اعتقالات 65 كانت الهزيمة الساحقة في 67).. وجعل إعلام حزب الحرية والعدالة، ذراع الإخوان السياسي، من ذكرى النكسة، إبان حكم محمد مرسي، فرصة للتشفي من حكومة مصر في تلك الفترة.. وفي السادس من أكتوبر 1981، وأثناء العرض العسكري السنوي، احتفالًا بانتصار الجيش المصري على اسرائيل عام 1973، اغتالت عناصر من الجماعة الاسلامية (المنبثقة من عباءة الإخوان) الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات.. وقد عبر المصريون عن استئيائهم حين اصطحب الرئيس الإخواني محمد مرسي قتلة السادات ـ الذين أفرج عنهم من السجون في عهده ـ معه في احتفالية باستاد القاهرة.
●●●
منذ 71 عامًا، حين أصدر مجلس قيادة الثورة، بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، قرارا بحل جمعية الإخوان، حيث اعتبر هذا القرار الصادر في الرابع عشر من يناير 1954، الجماعة كيان مطارد إرهابي في مصر.. منذ هذا التاريخ، وربما قبله بكثير، قامت جماعة الإخوان بشيطنة علاقتها مع الدولة المصرية، وارتكبت العديد من جرائم الدم والعنف، كان أهمها محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر، صاحب قرار حلها، تلك الجريمة التي تعرف بـ (حادث المنشية)، ارتكبتها الجماعة الشيطانية في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1954، بعد صدام شرس بين مرشد الجماعة في ذلك الوقت، حسن الهضيبي، والرئيس عبدالناصر بسبب أفعال الجماعة المريضة.
لم تتوقف هذه الجماعة الشيطانية عن أفعالها الإجرامية، حتى كشفت عن أبشع صور جرائمها بعد خلها بثورة الثلاثين من يونيو عام 2013.. فبعد هذا التاريخ، عاش الشعب المصري، لفترة طويلة في صراع بين الخير والشر مع إخوان الشيطان، الجماعة التي يستخدمها المستعمر لهدم الأوطان وتدمير الدولة الوطنية، من أجل أن يتسلطوا على مقدراتها ويسيروها في ركاب المستعمرين الغربيين.. فمن التساؤلات المشروعة لنا: فمن الذي ساند جماعة الإخوان عند نشأتها؟.. أليسوا الإنجليز؟.. ومن الذي حاول استغلال وتوظيف ثورة 23 يوليو؟.. أليسوا الإخوان؟.. ولماذا تتبناهم قوى الاستعمار الغربي؟.. ومن الذي حاول اختطاف أحداث 25 يناير وأحرقوا القاهرة للمرة الثانية، بعد فشلهم في الاستيلاء على السلطة في مصر؟.. من بدأ باغتيال القيادات السياسية؟.. أليسوا الإخوان؟.. ومن أنشأ فرق الإرهاب المختلفة؟.. أليسوا الإخوان؟.. ومن اقتحم أقسام الشرطة وقتل قياداتها انتقامًا، عندما فشلوا في السيطرة على الحكم؟.. وكم من شهداء القوات المسلحة والشرطة سقطوا مضرجون بدمائهم؟.. وكم من المواطنين الأبرياء أُزهقت أرواحهم وهم يصلون في مسجد الروضة، سقطوا رافعين أيديهم إلى الله، يدعونه ليغفر الذنوب ويحمي الوطن من أهل الشر؟.. وكم من أبناء الشعب المسالمين تفجرت في أجسادهم السيارات المفخخة؟.. إن عناصر الإخوان يكرهون الحياة، كما أنهم يتمنون الدمار للوطن، لأنه لفظهم بسبب قتلهم أبناء الشعب انتقامًا منه، لأنه لم يركن اليهم.. ومع كل الجرائم التي ارتكبوها، يحرضون دول الغرب وقادته على الدولة المصرية، من أجل أن تسقط كي يعيدوا الكرة مرة ثالثة لاستعباد الشعب وإذلاله واستباحة حقوقه.. هم العدو فاحذرهم.
نحن فى حاجة إلى إعادة قراءة المشهد بتركيز، لأن الوضع يبدو مختلفًا مع سعى الإخوان ومعهم بعض القنوات المؤيدة لتوجهاتهم، لاستغلال ما يحدث فى الأراضي المحتلة، لتصفية حسابات مع مصر وتشويه جيشها، بينما هم، الإخوان وأبناء جماعات الإسلام السياسى عمومًا، أصحاب المسئولية الكبرى عن تشويه مضمون القضية الفلسطينية فى أذهان الشعب العربى، كما رأى محمد الدسوقى رشدى، في مقال سابق له بعنوان (الإخوان فى خدمة إسرائيل).. يقول، كتالوج التعامل مع اشتباكات الفلسطينيين مع جنود الكيان الصهيونى واضح ومكرر، المنتمون لجماعة الإخوان يهتفون (خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود)، و(الأقصى نادى: يا صلاح الدين)، ولكنهم لا يتحركون أبدًا لتحرير الأقصى، ولا يطلقون رصاصة واحدة فى صدر جندى إسرائيلى، ولا ينشرون فتاوى تبيح وتحرض رجالهم على الجهاد ضد إسرائيل، رغم أن الجماعة بمكتب إرشادها وإعلامييها وشيوخها لا يملون يومًا من التحريض وإصدار الفتاوى، التى تبيح لعناصرهم الإخوانية حق قتال جنود الجيش والشرطة فى مصر.. باختصار يهتف الإخوان فقط للأقصى، ولكنهم يملون ويسلحون خلايا نوعية مثل (حسم) لقتل جنود الجيش والشرطة فى مصر.
نحفظ هذا الكتالوج تمامًا، ونعرف أن عنوانه الواضح، هو استغلال جماعات الإسلام السياسى، على مدى السنوات الطويلة الماضية، للقضية الفلسطينية دون تقديم العون والدعم والمساعدة لها أو لأهل فلسطين.. هم يقتاتون على دماء شهداء فلسطين من أجل البقاء فى مربع الصورة الواضح، هم يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويتباكون ويحركون المظاهرات وأدواتهم الإعلامية، بشعارات أين الحكام العرب والصمت العربى، دون أن يفسروا لنا لماذا يحركون ميليشياتهم الإخوانية أو الداعشية المسلحة للقتال فى سوريا والعراق وليبيا وسيناء، ولا يحركونها لإنقاذ القدس التى يبكون عليها أمام الرأى العام؟!
الإخوان فى هذه المرة، مثل كل مرة، لم يكتفوا بالهتافات، بل اجتهدوا لاستغلال حرب جيش الاحتلال الإسرائيلى في غزة للضرب فى مصر.. مصر فقط وليس أى دولة أخرى، عبر نشر نغمة نشاز فى فضائيات ومواقع الإخوان، تعاير الشعب المصرى بأن دولتهم لا تتحرك لأنقاذ القدس، وتحرض الشعب المصرى وتشككه فى قواته المسلحة، بنغمة معتادة: أين الجيش المصرى مما يحدث، وهنا تصبح وقفة التأمل فى الخطاب الإخوانى التحريضى والمشكك، ضرورية.. وقاحة وأكاذيب الإخوان تدفعهم الآن للصياح: أين الجيش المصرى لحماية غزة؟.. وواقعيتنا تدفعنا لسؤال عناصر الجماعة الإرهابية: تصيحون الآن بحثًا عن الجيش المصرى للقتال.. أليس هو الجيش الذى تصفونه ليلًا ونهارا بأنه الجيش غير القادر على القتال؟!.. ألم تخبروا الناس عبر أدواتكم الإعلامية خلال السنوات الماضية، أن الجيش التركى هو القوى الذى يدافع عن الإسلام وغزة وفلسطين؟.. فلماذا لم تهتفوا أين جيش إردوغان؟.. ألم تصرخوا بأن حماس هى المقاومة الوحيدة للاحتلال؟.. فلماذا لم تسألوا عن كتائب القسام؟.
يسأل الإخوان عن مصر ودورها الآن، رغم أنهم يعلمون جيدًا، هم وغيرهم، أن دور مصر فى القضية الفلسطينية دم ومال وسياسة ودبلوماسية، لا يمكن لأحد أن يزايد عليه، ومع ذلك هم يسألون عن مصر ولا يسألون أبدًا عن دول غيرها.. يسألون عن دور مصر ولا يسألون من دفع المليارات لاستدعاء جنود أجانب لحمايته، ولم يدفع مليمًا لاستدعاء من يحمى أهل فلسطين؟!.. لماذا لم يُسأل الإخوان عمن حالة صمت و(طناش) تجاه ما يحصل فى غزة.. ما لم يتحدث عنه الإخوان، هو مسئوليتهم عن تشويه صورة القضية الفلسطينية وتدميرها، اعتمد الإخوان وجماعات الإسلام السياسى عمومًا خطابًا تواكليًا فى التعامل مع القضية الفلسطينية، ساهم فى تخدير الشعوب العربية، حتى استفاقوا على إسرائيل وهى تسبقهم بمراحل، لا إنكار لمسئولية الحكومات العربية المتعاقبة، ولكن هذا أمر استفاض فيه الجميع، وغفلوا عن دور الإخوان وجماعات الإسلام السياسى، الذين هزمونا في كل معركة، بخطابهم التخديرى قبل أن نحارب أصلًا.
دمر الإخوان وجماعات الإسلام السياسى أجيالًا عربية، حينما أقنعوهم وخدروهم، بأن الدعاء على اليهود فى المساجد هو سبيل الانتصار، وأن هتاف (جيش محمد سوف يعود) كافيًا لزلزلة قلوب الصهاينة رعبًا، وأن الانتصار على الكيان الصهيونى سيتحقق حينما تمتلئ المساجد فى صلاة الفجر، مثلما تمتلئ فى صلاة الجمعة، ثم استفقنا جميعا من خطاب الإخوان التخديرى، على إسرائيل وقد سبقتنا بالبحث العلمى والتطوير والديمقراطية التى يحرمها الإخوان وغيرهم.. تلك هى مسئوليتهم وجريمتهم.. خدرونا بالشعارات والهتافات والخطاب الدينى التواكلى، لنستيقظ وقد أصبحت غزة والضفة الغربية، ومن قبلهم القدس، تحت رحمة جنود قوات الاحتلال، تضرب وتقتل، لتخلق فرصًا جديدة لجماعات الإسلام السياسى، كى تتباكى وتهتف ا(لأقصى ينادى يا صلاح الدين)، بينما صلاح الدين فى قبره يلعن أكاذيبهم.
●●●
كان السيناريو المُعد للدولة المصرية، فترة حكم الإخوان، شديد السوء.. كان يهدف إلى إسقاط الدولة الوطنية وتقويض مقوماتها الأساسية، والنيل من سيادتها واستقلال قرارها الوطنى، والتأثير على التماسك المجتمعى بين المسلمين والمسيحيين، واصطناع فتن طائفية ودينية ومجتمعية، على غرار سيناريوهات أخرى شهدتها المنطقة.. وكانت ثورة الثلاثين من يونيو ضرورة لإنقاذ مصر من مخطط فوضى الشرق الأوسط، الذى تديره قوى معادية، وتنفذه الجماعات المتطرفة، جماعة الإخوان الإرهابية والتنظيمات المتطرفة عمومًا.. فأفكار كل هذه التنظيمات تقوم على تقويض أركان الدولة الوطنية، وهذا يخدم مصالح الاحتلال الصهيونى، فكلا الطرفين مصالحهم واحدة.. هذا مشروع معادٍ للدولة الوطنية، وجرت محاولات تطبيقه فى دول شقيقة.. هذا المشروع لم يحقق لا حرية ولا ديمقراطية ولا بناء مؤسسات.. بل على العكس، كلما تقدم هذا التيار، لم يستفد منه سوى كيان الاحتلال الصهيونى.. ولو لم تقم ثورة الثلاثين من يونيو، لاستمر هذا التيار فى حكم مصر، وكان المستفيد الأول من استمرار الإخوان فى الحكم هو إسرائيل.. كيف؟.
رأينا كيف ساعدت التيارات المتطرفة فى بلدان بالمنطقة على تسهيل الأمور لصالح كيان الاحتلال.. ومصالح إسرائيل تلتقى فى حقيقة الأمر مع مصالح الجماعات المتطرفة، ومنها جماعة الإخوان، كما يرى النائب محمد عبدالعزيز.. فكلا الطرفين ضد الدولة الوطنية فى المنطقة العربية، وكلا الطرفين يحاول خلق حالة فراغ سياسى وأمنى واستراتيجى، وبالتالى المصالح متبادلة.. ومن هنا، فثورة الثلاثين من يونيو أنقذت مصر والدولة الوطنية ومقوماتها الأساسية، مثل الجيش والشرطة والقضاء، وغير ذلك من مؤسسات الدولة، وحمت حالة التماسك المجتمعى بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، وأنقذت البلاد من الفوضى، بل أنقذت المنطقة من اتساع حالة الحرب والدمار والصراع، لأن استقرار مصر من استقرار المنطقة.
المستفيد الأول من مخطط الفوضى هو إسرائيل، ولذلك فإن إسرائيل كانت مستفيدة من وجود الإخوان فى الحكم واستمرارهم، لأن ذلك يخلق فوضى، وفراغًا، وكان ذلك جزءًا من مخطط تهجير الفلسطينيين، المخطط الذي يتم العمل عليه الآن مرة أخرى، وتقف له مصر بالمرصاد.. ولكن، بثورة الثلاثين من يونيو، استعادت الدولة المصرية قوتها، استطاعت أن تقف فى وجه هذا المشروع الخطير.. إسرائيل كانت المستفيدة من استمرار حكم الجماعة، لأنه كان سيخدم مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. المشروع كان واضحًا، وكان يتم التمهيد له تحت ستار الفوضى والإرهاب فى سيناء، وتهجير سكان غزة يعنى تصفية القضية، ويعنى زيادة دائرة الصراع والفوضى والإرهاب فى المنطقة كلها.
فى هذا السياق، يمكننا فهم تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسى، بأن (مصر حاربت الإرهاب نيابة عن المنطقة والعالم).. التصريح كان دقيق جدًا.. كان هناك مخطط لفوضى شاملة، خصوصًا فى سيناء وغزة؛ لإحداث فراغ أمنى تستفيد منه إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطينى.. وهذا مشروع قديم، طُرح منذ تسعينات القرن الماضي.. كان يُراد لمنطقة سيناء أن تتحول إلى ساحة للفوضى والإرهاب والتطرف لتبرير المشروع الصهيونى.. فتصاعد الإرهاب يرتبط دائمًا بجرائم الاحتلال، ويُستغل من المتطرفين فى كل أنحاء العالم، كذريعة لمزيد من العنف والإرهاب، ولنا في الشقيقة سوريا مثلًا.. عندما قضت مصر على هذا الإرهاب، حمت الشرق الأوسط من اتساع الصراع، وحمت القضية الفلسطينية من التصفية، وحمت العالم من موجة تطرف كان يمكن أن تنتشر بذريعة تهجير الفلسطينيين.. ما فعلته مصر لم يكن فقط حماية لأمنها القومى، بل حماية للأمن القومى العربى كله.. ولم يكن ذلك ليتحقق إلا فى ظل قيادة وطنية، تؤمن بأن أمن مصر القومى مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن العربى وبالقضية الفلسطينية، كما يؤكد دائمًا الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كل المحافل.
من بين الأمور التي عجلت بسقوط الإخوان، أن هذه الجماعة جسم غريب على طبيعة الدولة الوطنية المصرية، وعلى طبيعة الشخصية المصرية نفسها.. الشعب المصرى متدين تدينًا وسطيًا، يكره العنف، ويعيش فى وئام بين المسلمين والمسيحيين.. المصريون يحتفلون بأعياد بعضهم البعض، سواء فى القرى أو النجوع، وهذا ليس سلوكًا رسميًا بل شعبى خالص.. لا تعرف الشخصية المصرية التطرّف ولا تميل لمدارس التشدد، والدليل أن المدارس الدينية المصرية كانت دائمًا الأكثر وسطية، سواء فى الفقه أو التلاوة.. الإخوان، على النقيض تمامًا، يمثلون تشددًا وتطرفًا، ويعتبرون أنفسهم الجماعة الوحيدة التى تفهم الإسلام، وينظرون لغيرهم نظرة إقصاء.. هذه الطبيعة جعلتهم يتصادمون مع المجتمع سريعًا.. ولم يمر عام، حتى انكشفت حقيقتهم بالكامل، وأدرك الشعب أن هذا التنظيم غريب عن مصر وشعبها، فتحرك لتصحيح المسار وإنقاذ الدولة والوطن، الذين لايؤمنون به، ولا يعترفون بهوية مصر الشاملة المتنوعة المتعددة، التى استطاعت أن تستوعب حضارات وثقافات مختلفة.. الإخوان لا يؤمنون إلا بالإخوان، إلا بأنفسهم، وبأفكارهم، وبمبادئ الجماعة التى يدينون لها بالطاعة والولاء على حساب الوطن.. وبالتالى هم جسم غريب عن مصر وعن المجتمع المصرى، رغم محاولاتهم خداع المصريين على مدار سنوات ببعض الخدمات، لكنهم انكشفوا فى ظرف أشهر قليلة من وصولهم للحكم.
لذلك، لم يخرج المصريون فى الثلاثين من يونيو بسبب الأوضاع الاقتصادية، ولا سوء الخدمات، وتراجع كفاءة جهاز الدولة فى عهد الإخوان، بل خرجوا لشعورهم بالخطر على الدولة نفسها.. أحداث مثل مذبحة رفح، واستشهاد الجنود، وتصاعد الإرهاب فى شمال سيناء، وصعود العنف حتى داخل قلب القاهرة العاصمة، والوقوف على حافة فتن طائفية.. كل ذلك كشف أن الجماعة الحاكمة لمصر هى جماعة إرهابية ومتواطئة مع الإرهاب، واستمرارها يشكل خطرًا على استمرار مصر.. كان هناك تساؤل منطقى: هل رئيس الجمهورية آنذاك، وهو محمد مرسى، متواطئ، أو يبدو كذلك، مع من يقتلون جنودنا؟.. الخطاب الصادر عن التنظيم ـ الإخوان ـ كان فيه تواطؤ واضح.. شعر الشعب بأن الدولة مهددة، وهذا كان المحرك الرئيسى للنزول.
●●●
يوضح إبراهيم ربيع، القيادى السابق في جماعة الإخوان، كيف تتعامل جماعة الإرهابية مع الأوطان، قائلًا، (الزعيم عند التنظيم، هو من يتطاول على مقدسات الوطن، ويتجرأ على إهانة الرموز الوطنية وتحقير المؤسسات السيادية للبلاد، ويشكك فى الأمجاد التاريخية للوطن).. ويُذكرنان بأن تأسيس تنظيم الإخوان تم من قِبل القوى الاستعمارية، لتستخدمه بالوكالة فى مهام محددة، منها تفكيك الهوية والمواطنة والانتماء، وبناء جدار عازل من عدم الثقة بين المواطن والوطن، ومؤسساته ورموزه وهويته، وتشكيك المواطن فى كل ما يتعلق بالانتماء.. وقد تم تأسيس تنظيم الإخوان على (الأدلجة)، أى أنه تنظيم يمتلك عقيدته الخاصة، ويعمل خارج الدولة وخارج القانون وخارج الأعراف.. فجماعة الإخوان لها انتماؤها وولاؤها ومشاعرها وحماسها ووجدانها التنظيمي وذاكرتها التنظيمية ونشيدها ورايتها المعبرة عنها.
لذلك، فإن جماعة الإخوان تعمل على تشويه أى رمز أو انجاز وطني أو ثقافي او اجتماعي أو عسكري للبلاد، وقدماء المصريين عندهم اصنام وأحجار، وأمجاد وانتصارات مصر وجيشها الوطني عندهم (أكاذيب وادعاءات).. تنظيم الإخوان سرى عابر لحدود الوطن، قائم على نزع الانتماء للوطن، والتحريض على من يحمى ترابه المقدس والمرابطة على حدوده.. خطورة تنظيم الأخوان، هو قدرته المتمكنة على تجاوز كل الأعراف الأخلاقية، وقطع كل خطوط التحريم.. إنهم يكذبون ويقتلون ويُفسدون ويُرهبون، ولديهم رخصة لكل جريمة يرتكبونها.. تنظيم الإخوان يعمل من خلال سبعة شركات علاقات عامة أمريكية، تصيغ له الرسالة وتحدد له الجمهور المستهدف، وتخطف الحدث لحظة حدوثه، وتعيد تقديمه بما يخدم مصالحه، وإذا لم يُوجد حدث يصنعون حدثًا مزيفًا.. الإخوان بفقدانهم السلطة في مصر، خسروا معركة ولَم يخسروا حربًا، ومن هم فى السجون، أفراد فى كتيبة وليسوا كل الجيش الإخوانى، ومن هم على السطح رأس جبل الجليد، وليسوا كل الجبل الذى يعيش فى أمان تحت السطح.
●●●
مع بداية الحرب الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لاحظ مواطنون عرب زيادة معدلات التعليقات والردود التي تستهدف تسخين الأجواء بين العرب، وإحداث الوقيعة بين الشعوب العربية، واتهام الداعمين للفلسطينيين بأنّ دولهم متخاذلة، ومعايرة المتحفظين على تصرفات حركة حماس، بأنّ مواقفهم تصبّ في مصلحة إسرائيل ولا تحترم الدماء التي تسيل أنهارًا كل يوم في أحياء وشوارع غزة، ووجدوا أنّ كل نقد يوجّه إلى سلوك الإخوان أو متاجرتهم بالقضية الفلسطينية، أو إذا تساءلت عن مصير الهتاف (الإخوانجي) الشهير (على القدس رايحين شهداء بالملايين)، ستجد جيوشًا إلكترونية إخوانية تتّهمك بالعمالة لإسرائيل وخيانة المقاومة الفلسطينية!.. فتكتشف مساحة الارتباط الواسعة بين (الذباب الإخواني) والألغام الإليكترونية الإسرائيلية.
ولأنّ الشباب العرب تحصّنوا ضدّ اللجان الإلكترونية للإخوان، وبرعوا في كشفها وفضحها، بحث بعضهم في أسباب ارتفاع وتيرة الهجمات على صفحات المواطنين العرب في كل اتجاه، واكتشفوا أنّ الأمر يعود إلى مهام يقوم بها أعضاء الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي، وهي وحدة يتحدث معظم مجنديها اللغتين العربية والفارسية، ويغزون شبكات التواصل الاجتماعي، ويستهدفون الجمهور العربي بأسماء وحسابات زائفة، ومزودة بأحدث التكنولوجيا المعلوماتية، التي مهمّتها شتم حركة فتح باسم حماس، وسبّ حماس باسم حركة فتح، وشتم المواطن السعودي باسم الفلسطيني، وسبّ اللبناني باسم السوري وشتم المصري باسم الإماراتي وسبّ الشيعي باسم السنّي والمسلم باسم المسيحي وبالعكس، إضافة الى إغراق وسائل التواصل الاجتماعي بمواد وأخبار وصور وفيديوات ملفقة باحترافية، لزرع الفتنة والشقاق والطائفية بين أبناء الشعب الواحد وبين الشعوب العربية.
تبدو الأهداف واحدة لدى الإخوان وإسرائيل، كما يقول محمد صلاح في (النهار): إضعاف الانتماء الوطني وقتل المعنويات والتشكيك في الثوابت وتحقير الوطن والوطنيين، ولم ينس المصريون التصريح الفاضح لمرشد الإخوان الأسبق، مهدي عاكف، (طز في مصر)، والذي يتفق مع وجهة نظر الإسرائيليين في الفلسطينيين، بأنّهم مجرد حيوانات وليسوا بشرًا.. المشترك بين إسرائيل والإخوان، لا يتوقف فقط عند آلية اللجان الاليكترونية ومفرداتها وأهدافها، ولكن لاحظ، أنك إذا أدنت سلوك إسرائيل الإجرامي ستواجه تهمة معاداة السامية، وإذا فضحت إرهاب الإخوان ستُتهم بمعاداة الإسلام، وعندما تنكشف أفكار وخطط إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ستلاحظ ضغوط الإخوان لفتح معبر رفح على مصراعيه، لإدخال أهل غزة الى شبه الجزيرة المصرية، مع أن مصر لم تُغلق المعبر يومًا.. وإذا راجعت الإعلام الإسرائيلي ستجد غضبًا لتشدّد مصر في رفض التهجير، يتسق مع حملات الإخوان للإساءة الى مصر لرفضها التهجير، وحين تتابع تعنّت إسرائيل في تمرير المساعدات والسماح بعبورها إلى غزة، ستجد منصّات الإخوان تستنكر عدم دخول الجيش المصري حربًا ضدّ إسرائيل لرفضها دخول المساعدات.. ومقابل رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي تصفية القضية الفلسطينية، كان هناك الرئيس (الإخوانجي) محمد مرسي الذي رحّب بالاستغناء عن مساحة من سيناء ليقيم الفلسطينيون فيها، استجابةً لرغبة إسرائيلية وتشجيع أمريكي.. لكنك في النهاية ستدرك، أنّ الاختلاف الظاهر بين الاخوان وإسرائيل، هو أنّ الدولة العبرية تجمع اليهود الذين يعتقدون أنّ أرض فلسطين هي وطنهم، فيتجمعون لينشروا الفساد والإرهاب في محيط الدول التي تحيطهم، بينما الكائن (الإخوانجي) لا وطن له، وينطلق من الدولة التي ولد فيها ويستوطن أي مكان، لينشر فيه فساده ويمارس منه إرهابه!!.
●●●
■■ وبعد..
لقد كان البيان الصادر عن وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، كاشفًا لما أراد البعض غمط حقيقته، لحاجات في نفوسهم، لعلك القارئ استشفها من السطور السابقة في هذا المقال، إذ استهجنت مصر الدعاية المغرضة الصادرة عن بعض القوي والتنظيمات التي تستهدف تشويه الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية، كما استنكرت الاتهامات غير المبررة، بأن مصر ساهمت، أو تساهم، في الحصار المفروض على قطاع غزة من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية.. وشددت مصر في هذا السياق، على سطحية وعدم منطقية تلك الاتهامات الواهية، والتي تتناقض في محتواها مع الموقف، بل ومع المصالح المصرية، وتتجاهل الدور الذي قامت، ومازالت تقوم به مصر منذ بدء العدوان الاسرائيلي على القطاع، سواءً فيما يتعلق بالجهود المضنية من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، أو من خلال عمليات الإغاثة وتوفير وإدخال المساعدات الإنسانية التي قادتها مصر عبر معبر رفح، أو جهود الإعداد والترويج لخطة إعادة إعمار القطاع، التي تم اعتمادها عربيًا وتأييدها من عدد من الأطراف الدولية، والتي استهدفت وتركزت على إنقاذ الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة، وإدخال المساعدات، وبدء مراحل التعافي المبكر وإعادة الإعمار، في إطار الموقف الثابت الهادف لتوفير إمكانيات البقاء والصمود للشعب الفلسطيني على أرضه، ومقاومة محاولات التهجير القسري، والاستيلاء على الأرض وتصفية القضية الفلسطينية.
أكدت مصر، إدراكها الكامل لوقوف بعض التنظيمات والجهات الخبيثة وراء تلك الدعاية المغرضة، والتي لا تستهدف سوي إيجاد حالة من عدم الثقة بين الشعوب العربية، وتشتيت انتباه الرأي العام العربي والدولي عن الأسباب الحقيقية وراء الكارثة الإنسانية التي أصابت أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في غزة، كما أكدت على عدم اغلاق معبر رفح من الجانب المصرى قط، وأن المعبر بالجانب الفلسطينى محتل من سلطة الاحتلال الاسرائيلى، التى تمنع النفاذ من خلاله.. وإذ تدعو مصر للتعامل بحذر شديد مع الأكاذيب التي يتم الترويج لها عن عمد، من خلال توظيف المأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، لخدمة روايات خبيثة لا تعدو كونها جزءًا من الحرب النفسية التي تمارس علي الشعوب العربية لإحباطها، وإحداث حالة من الفرقة والخلاف فيما بينها، وخدمة نوايا معروفة لتصفية القضية الفلسطينية، فإنها تعلن، أنها ستستمر في جهودها لرفع المعاناة عن أهل القطاع، ووقف إطلاق النار، ونفاذ المساعدات الإنسانية، وبدء إعادة الإعمار، كما ستواصل جهودها لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، وضمان تواصل الأراضي الفلسطينية، والبدء في عملية سياسية لتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية وخطوط الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧.. وهذا هو موقف مصر الثابت منذ الأزل.
حفظ الله بلادي من كيد الكائدين.. آمين.