سوسن بدر: فنانة تجسد التمثيل كأنها تعيشه بالكامل

سوسن بدر: فنانة تجسد التمثيل كأنها تعيشه بالكامل

حين يمرّ الفنّ من خلال الأرواح النبيلة، يصير أكثر من مهنة، وأكثر من أداء.. يصير رسالة. ومن بين الأصوات الكثيرة التى عبرت الشاشة، ظلّ صوت سوسن بدر مختلفًا، كأنّه خارج من كتب الحكمة القديمة. لا تصرخ لتُسمع، بل تهمس لتصل، وتُمسك بمفاتيح التمثيل لا لتُبهر، بل لتُشبه الناس وترويهم من عمقها.فى عالمٍ يزدحم بالوجوه، تبرز سوسن بدر كعلامة فارقة فى الأداء والهيبة. ممثلة من طراز خاص، لا تركن إلى الزينة المفتعلة ولا إلى الصوت العالى، بل تكتفى بنظرة، بإيماءة، أو بصمت يحمل أكثر من ألف كلمة. سيدة يعرفها الجمهور من المرة الأولى، ويحترمها منذ النظرة الأولى، ويؤمن أنّ الشاشة حين تتّسع لها، فإنّها تتزيّن بالفنّ الحقّ.لُقّبت بـ«نفرتيتى السينما المصرية»، ليس فقط لملامحها الفرعونية النبيلة، بل لأنّ حضورها ملكىّ، شامخ، له مهابة الملوك وحنان الأمهات. لا تمثّل سوسن بدر الدور فحسب، بل تمنحه شيئًا من روحها، كأنّها تعيشه قبل أن تحفظه، وتذوب فيه قبل أن تعلنه.منذ بداياتها، عرفت كيف تختار، كيف تمشى الهوينى بين الأعمال، فلا تتعجّل الشهرة، ولا تغريها البطولة المطلقة. كانت ولا تزال تؤمن أنّ القيمة فى المضمون، لا فى عدد المشاهد ولا حجم الاسم على التتر. لهذا، بقيت، وارتفعت، وتعمّقت فى وجدان الجمهور جيلًا بعد جيل.أدوارها لا تُنسى، من المرأة القوية إلى المكسورة، من الأم التى تتوسّد الخوف إلى المرأة التى تتحدّى الصمت. قد تؤدى الشخصية الطيبة فى مسلسل، ثم تفاجئك بدور صارم فى فيلم، وتنجح فيهما معًا، لأنّها صادقة. لأنّها تؤمن أنّ الفنّ مسئولية، وأنّ الممثّل الحقيقىّ لا يساوم على الإتقان.فى المسرح، لها وقفتها، وفى السينما، صورتها لا تشيخ. فى الدراما، يُقال إنّ المشهد الذى تمرّ فيه سوسن بدر، لا يبقى كما هو. ثمّة سكينة تزرعها، وثقلًا فنيًّا تضيفه، كأنّها تُنقّى المشهد من زيفه، وتسكبه فى النور.لا تستعرض سوسن بدر حياتها على الملأ، ولا تُكثر من الظهور لأجل الظهور. تترك لفنّها أن يتحدّث، وتترك لجمهورها أن يُحبّها دون أن تطلب. وهذا سرّها الكبير. ذلك التواضع العميق الذى يشبه الكبرياء الجميل. كبرياء الفنّ حين يكون حقيقيًّا.هى اليوم فى أوج نضجها الفنى، تتنقّل بين الأدوار بثقة ورقىّ، وتُثبت مع كل عمل أنّ النضج هو القمّة التى لا يبلغها إلا من تمرّن طويلًا على الصدق.الوجوه التى لا تبهت، هى تلك التى وُلدت من الصدق، وعاشت فى حضن الفنّ، وراكمت التجربة بوعيٍ لا يُساوَم. وسوسن بدر، واحدة من هذه الوجوه القليلة.. قنديل يُنير الدرب، واسم يعلّمنا أنّ التمثيل، حين يُؤخذ بجدّ، يصير من ضوء.