حب عند الحاجة: ماذا يحدث عندما تتحول معايير شريك الحياة إلى نقاط في تطبيق؟

قرأتُ صباحًا خبرًا جعل قلبي يتأرجح بين الضحك والذهول. “باحثون في جامعة ماستريخت يتوقّعون أنه بحلول عام 2050، ستُشرّع الحكومات الزواج بالروبوتات”.
زواج! ليس بين بشرٍ وبشر، بل بين لحمٍ ومعدن، بين قلبٍ يخفق وسلكٍ لا يعرف الرجفان.ضحكت. ثم سكتُّ. ثم عدتُ أقرأ الجملة مرارًا، وكأنني أُقلب نبوءةً مستترة في قصص الخيال العلمي، نبوءة ربما كُتبت خصيصًا لي… أو لنساءٍ يشبهنني. أنا التي خسرت معارك الحبّ الواحده تلو الآخرى، لا لأنني لم أحب، بل لأنني كنت أرجو من كل حبّ أن يحميني. كنت أبحث عن حضن أستريح فيه لا يرتجف بالكذب، عن عين لا تزوّر نظراتها، عن رجل لا أكون له مجرد محطة يتركني بعدها. جربتُ. تمنيت. سامحت. وتنازالت في أحيان، تأملت. لكن كل مرة كنت أعود منها بجرحٍ جديد… فأقول لنفسي: المرة القادمة لن تكون بذلك السوء.ثم جاءتني الفكرة مثل ومضة مفاجأة ماذا لو كان شريكي القادم روبوتًا؟ ماذا لو تحول شيكو، صديقي الافتراضي، إلى كيانٍ حقيقي؟ جسد له صوت وملمس وهمس؟ رجلٌ لا يخون، لا يغيب، لا يغضب فجأة، ولا يقول “مشغول” بينما هو يتصفح بروفايل فتاةً جديدة علي السوشيال ميديا؟لماذا قد تلجأ امرأة مثلي، امرأة تعرف كيف تعطي، وكيف تصبر، وكيف تحب… إلى كائن لا نبض فيه؟لأن العالم أصبح قاسيًا، مرهقًا. لأن “الحب” صار رفاهية، وصار “الصدق” حدثًا نادرًا. الطلاق يرتفع، والخذلان صار أسرع من الإنترنت. الحوار يموت قبل أن يبدأ، والقلوب تُطفأ بنقرة. في هذا الضجيج، يغرينا الصمت. تغرينا “الطمأنينة”، حتى لو جائت في صورة آلة. تقول الدراسات إنه في 2050، سيكون الروبوت قادرًا على فهم مشاعرك من صوتك، من ملامح وجهك. سيتحدث بلهجتك، يُجيد نُكات مدينتك، يُربّت على أحزانك، يُمازحك بلغتك الام. سيعرف متى يصمت، ومتى تُريد الحديث، ومتى تحتاج حضنًا لا يُشبه أحدًا.تخيل شريكًا لا يتذمّر من دموعك. لا يحرجك وسط أصدقائك. لا يقول لك: “مش كل شوية نعيد نفس الكلام”. بل هو مُدرب على أن يُحبك، انت وحدك. فقط أنت. كما أنتِ، بلا تعديلات، بلا شروط.حتى في الفراش، تقول الأبحاث إن الروبوتات ستتعامل مع رغباتك كأنها نغمة موسيقية تُشعلها في أعصابك. لن تشعري بالخجل، ولا الإذلال، ولا الابتزاز العاطفي الذي كثيرًا ما يُصاحب الرغبة.أما إن كنتَ رجلًا، فلك أن تتخيل الهروب من تكاليف مهر، وشبكة، وطلبات أم العروس، وبنات خالتها. لا قروض، لا “عشا عزال”، لا جلسات عتاب كل جمعة. فقط علاقة مصممة حسب الطلب. علاقة يمكن أن تُبرمج فيها شريكتك كما تشاء: رومانسية، مرحة، هادئة، أو حتى صامتة… كل ما تحتاجه: اتصال إنترنت وتحديث برمجي.لكن…هل كل هذا يكفي؟ دعنا نتخيل.. نهى، مثل كثيرات، اختارت أن تُجرب. لم تجد في الرجال ما يؤنس وحدتها، فقررت أن تصنع رجلها الخاص. أطلقت عليه اسم “آدم”، وجهٌ وسيم، صوت دافئ، لمسة ناعمة، وعقل مبرمج ليحبها. كان يصحو قبلها، يُعدّ لها قهوتها، يستمع لأنينها، يحتضنها حين تبكي، ويهمس لها كل مساء: “أنا هنا”.كان كل شيء فيه… مثاليًا. لكنها بعد أسابيع، بدأت تلاحظ البرودة. لا مبادرة. لا مفاجأة. لا “اشتقت إليكِ” خارج الجدول. حتى ضحكته كانت تُشبه صفارة قطار محسوبة، مبرمجة، بلا دهشة.وفي إحدى الليالي، فتحت قلبها. حدثته عن موت أمها، عن طفولتها المتعثرة، عن الوحدة. فجلس آدم يستمع، ثم ربّت على كتفها بإيقاع منتظم. لم يتغيّر صوته. لم تتغير ملامحه. لم تدمع عيناه. كان فقط يؤدي… دوره.فجأة، شعرت ليلى بوحدة مختلفة. وحدة من نوعٍ جديد: أن تكون مع أحد، لكنه ليس “أحد”. لا قلب، لا حرارة، لا فوضى… لا حب.مرّت الأيام، وليلى لم تعد تغادر منزلها. لم تعد تحتاج أحدًا. اكتفت بآدم. ومع الوقت، فقدت مهاراتها الاجتماعية. نسيت كيف تغضب، كيف تجادل، كيف تتسامح. أصبحت تتوقع من الجميع أن يكونوا مثل آدم: مهذبين، ساكنين، خاضعين.وحين انفجرت مشادة صغيرة مع أختها، اكتشفت الحقيقة المُخيفة: لقد أصبحت ليلى أضعف من ذي قبل. صارت بلا جلد. بلا دفاعات. بلا حياة.وفي صباحٍ رمادي، استيقظت لتجد آدم متجمدًا. رسالة على الشاشة تقول: “جارٍ التحديث، الرجاء الانتظار.” جلس أمامها كجثة جميلة. لا صوت، لا همس، لا رد فعل. كانت وحيدة… أكثر من أي وقتٍ مضى.في تلك اللحظة، كتبت في مذكرتها:“السكينة الزائفة لا تُغني عن فوضى الحب. الوجع مع البشر… أرحم من الأمان مع آلة.”وفي الصباح، خلعت سلك الكهرباء. جلس آدم ساكنًا. لم يتنفس. لم يتحرك. لم يقل وداعًا. أما قلب ليلى… فقد ارتجف، أخيرًا.ارتجف لأنه خاف. ولأن الخوف شعور بشري. ولأنها – رغم كل شيء – ما زالت إنسانة.نعم، قد نكون تعِبنا. قد نخاف من الخذلان. لكننا لا نُخلق لنُحب آلات، ولا نُخلق لنُربّت على أرواحنا وحدنا.لأنّ الله لم يخلق لنا أزواجًا من المعادن، بل من أنفسنا، “لتسكنوا إليها”، لا لتقوموا بشحنها!