أحمد الصغير يتحدث لـ”الدستور”: “الفتنة الكبرى” كانت صراعاً قبلياً حول السلطة

أحمد الصغير يتحدث لـ”الدستور”: “الفتنة الكبرى” كانت صراعاً قبلياً حول السلطة

تحدث الكاتب أحمد الصغير حول الفتنة الكبرى التي نشبت قبل 1400 سنة ومازالت آثارها ممتدة حتى وقتنا الراهن.  وقال الصغير، في تصريحات لـ”الدستور”: “حين قرأتُ تفصيلا أحداث ما يُسمى بـ ”الفتنة الكبرى” لأول مرة فى المرحلة الجامعية لم أصدق ما قرأته وبحثتُ عن مصادر تاريخية أكثر، وفى نهاية رحلة قراءة مكثفة لم ألحظ اختلافاتٍ جوهرية بين تسلسل الأحداث أو تفاصيلها من مصدرٍ لآخر، لكننى لاحظتُ أن الفارق هو فقط فى كيفية قراءة هذه الأحداث وكيفية وصفها وتقديمها فى كل مرجع حسب طبيعة المرجع، وشخصية كاتبه، والفترة التاريخية التى كُتب فيها.

 مصطلح الفتنة الكبرى صك للتخفيف

وأوضح: ففيما يُسمى بالموسوعات الإسلامية يتم تديين هذا الصراع، واستخدام مصطلحات دينية لوصف الأحداث وأبطالها، وتتم محاولة تخفيف بعض المشاهد الصادمة أو التشكيك فى بعض تفاصيلها، ومن هذا التخفيف ابتكار مصطلح (الفتنة الكبرى) على أسوأ ما حدث فى تاريخ المسلمين وهو صراعٌ قبلى صريح، بينما فى الدراسات الأكاديمية والرسائل العلمية الرسمية حتى تلك التى تمت إجازتها فى جامعات دول مسلمة نجد كثيرا من الموضوعية فى نقل الأحداث والتقيد بنهج البحث العلمى فى تقديم المصادر الأصلية. ولقد لاحظتُ تشابها ملفتا بين طريقة تناول هذا الصراع ـ من حيث الوقوع فى فخ التديين أو التجرد الموضوعى البحثى ـ وبين طريقة تناول الانشقاقات والصراعات المسيحية فى القرون الأولى من انتشارها، حتى فى المسميات، فمثلا فى موسوعات يفترض فيها أن تكون تاريخية مجردة وجدت أن كاتبها أو كاتبتها – وهم مقدمون فى الصفحات الأولى بصفتهم مؤرخون – يستخدمون مصطلحات دينية خالصة فيصفون أحد أطراف النزاع بالهرطقة، بينما يصفون طرفا آخر بالجهاد للحفاظ على الإيمان الصحيح، وفى الموسوعات الإسلامية التى يفُترض فيها الموضوعية، وفى كتابها الحصول على لقب مؤرخين، نجد نفس الطريقة بإصباغ صفات الإيمان والتجرد على بعض أطراف النزاع، وإطلاق الاتهامات والأوصاف التكفيرية على الأطراف الأخرى، وذلك حسب مذهب كاتب الموسوعة أو جهة إصدارها. ولفت “الصغير” إلى: “فى الحقيقة لا هذه الموسوعات المسيحية ولا الإسلامية يمكن التعامل معها بوصفها مراجع تاريخية، هى كتب دينية موجهة تهدف فقط إلى الترويج للمذهب أو الطائفة بين الأتباع وإلى الدفاع عن الأشخاص الأوائل الذين كانوا سببا مباشرا فى الانقسامات والصراعات التى ضربت أتباع الديانتين بعد سنواتٍ أو عقودٍ من موت أو اختفاء صاحب كلٍ من الرسالتين السماويتين”. 

الفتنة الكبرى صراع ممتد

وتابع: مقالٌ مقتضب لن يكون كافيا قطعا لأى غوصٍ فى تفاصيل تاريخية، لأننا نتحدث عن فترات تاريخية ممتدة بدأت قبل الإسلام، ثم امتدت إلى ما بعده، ويمكن تلخيص ذلك بوجود أفرع قبلية رئيسية فى مسرح الصراع تتنافس فيما بينها على صدارة المشهد بما يتناسب مع مفردات كل فترة، فقبل الإسلام كان الصراع على التجارة، والشرف القبلى بالارتباط بخدمة الكعبة، وعلى الثراء، والتباهى بالأنساب والأمجاد البائدة. بعد البعثة النبوية تغيرت وتهذبت أخلاق المسلمين بوجود النبى (ص) بينهم، ثم حوفظ على الكيان الجديد بوجود أسماء تحظى بين جموع المسلمين بالرهبة وقوة المكانة الدينية وقوة الشخصية على سدة الحكم، ثم حين بدأت هذه القوة فى الضعف – فى آخر سنوات حكم عثمان بن عفان التى سيسطر على الأمور خلالها بنو أمية – عادت النعرات القبلية فى السيطرة على قلوب وأرواح كثيرين، بالقطع ليس كل من شارك فى المشاهد الأولى – التى انتهت بمقتل عثمان بن عفان – كان مبعثه بالضرورة هذه النوازع القبلية، فلقد كان هناك من يعتقدون أنهم يخلصون للدين ويحاولون تصويب مسار الحكم، لكننا نصل – بغض النظر عن دوافع كل من شارك فى مشهد الاغتيال – إلى حقيقة سوف تكون نقطة حاسمة فى مصير المسلمين فيما بعد وحتى الأن، هذه النقطة هى اغتيال عثمان بن عفان، وكانت بمثابة طلقة الرصاص التى تعلن بدءَ هذا الصراع المحموم لمدة أربعة عشر قرنا.بعيدا عن الأسماء والوقائع التى تكتظ بها المراجع، أعتقد أن الأهم هو ما ترتب على هذه النقطة، فلقد نشأت عنها عشرات الفرق السياسية التى ستتحول فيما بعد إلى مذاهب دينية، لكل مذهبٍ منها فقهاء ومدافعون عنه، ولقد وصل الأمر بعد قرون قليلة أن كفر أتباع بعض هذه المذاهب الآخرين من أتباع المذاهب الأخرى. لقد انقسم المسلمون على أنفسهم تماما كما حدث فى المسيحية.وقسم المسلمون ديانتهم إلى مذاهبٍ وشيع حتى الآن، لقد تم تزوير بعض ما نُسب للنبى (ص) من أقوال من جانب أتباع بعض هذه المذاهب للدفاع عن مذاهبهم، لقد سُفكت دماء عشرات وربما مئات الآلاف من المسلمين فى صراعات بينية نتجت بشكلٍ مباشر عن المشهد الأول، لقد نجح بنو أمية وبنو هاشم ليس فقط فى تقسيم المسلمين، بل فى إعادة بعث الصراع القديم قبل الإسلام والذى تجدد فى غزوة بدر وفى فرض هذا الصراع على المسلمين حتى الآن.