سمير درويش: الفتنة الكبرى فرقت المسلمين إلى جماعات متنازعة

المتابع للمشهد السياسي العربي خلال العقدين المنصرمين، لا يمكنه بحال من الأحوال فصله عن مشهد الفتنة الكبرى، التي جرت أحداثها قبل أكثر من 1400 سنة في زمن الخلافة والذي امتدت آثارها بل ومشاهدها إلى الألفية الميلادية الثالثة.“الدستور” تفتح الملف الشائك لحكايات الدم يرويها كتاب ومثقفين، وفي هذا الصدد قال الشاعر سمير درويش: إن “الحرب بين عليٍّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، المعروفة تاريخيًّا باسم الفتنة الكبرى، كانت إحدى وأهم حلقات الصراع بين بطون قبيلة قريش على القيادة، هذا الصراع الذي اشتعل بعد أن نال بنو هاشم النبوة، أو المرجعية الدينية، فقد رأى وجهاؤهم أنها تعطيهم الحق بالسيادة عن بني أمية، الذين كان لهم الثراء والنفوذ التجاري والعسكري، وبني مخزوم أصحاب القوة العسكرية (منهم خالد بن الوليد)، وبني عبد الدار الذين ورثوا دار الندوة، كما ساهمت الخلافات الاقتصادية حول توزيع الغنائم والسياسات الإدارية في تأجيج الفتنة”.
الفتنة الكبرى.. من صراع بطون قريش على السلطة إلى حروب دينية لا تتوقف
وأوضح “درويش” متابعا: الصراع بدأ بينما النبي لا يزال يحتضر في داره، حيث أخذ عمر بن الخطاب (من بني عدي) أبا بكر الصديق (من بني تيِّم، وهما بطنان صغيران في قريش) إلى سقيفة بني ساعدة لأخذ البيعة لعمر، ولما كان الوقت قد فات لأن الأنصار اختاروا سعد بن عبادة للخلافة، رأى عمر أن يقدِّم أبا بكر لكبر سنِّه، وحكم من ورائه عامين وثلاثة شهور، قبل أن ينفرد بالحكم عشر سنوات ونصف، حرص قرب نهايتها على أن يذهب الحكم إلى بني أمية على حساب بني هاشم، من خلال لجنة الستة التي شكلها عمر، مع عبد الله بن عمر كعضو استشاري، لاختيار الخليفة، والحيلة التي نفذها عبد الرحمن بن عوف، الذي طلب من المرشحيْن البارزين: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفَّان الإقرار باتباع نهج أبي بكر وعمر، وهو يعلم أن عليًّا سيرفض، لأنه تأخر في بيعة أبي بكر وعمر أو بايع غير راضٍ حسب روايات.هذا صراعٌ سياسيٌّ – إن صحَّت الروايات المنقولة إلينا، وكثيرها غير صحيح – استُخدمت فيه الحيل والمكائد التي ليس آخرها ما فعله عمرو بن العاص في التحكيم، حين دفع أبا موسى الأشعري لخلع عليٍّ، وقام هو بتثبيتِ معاوية، ليس آخرها لأنه فتح باب الصراع المسلح والحروب وإراقة الدماء، قبل مواجهة جيشيْ عليٍّ ومعاوية، وبعدها، وطالما امتد الحكم تحت شعار الخلافة حتى انتهاء الدولة الفاطمية سنة 1171م/ 567هـ، على يد صلاح الدين الأيوبي.معركة صفَّين التي انتهت بالتحكيم وقبول عليٍّ له، تبعها انشقاق فريقه وخروج من عرفوا باسم “الخوارج”، وهي فرقة اعتبرت التحكيم كفرًا، ورفعت شعار “لا حكم إلا لله”، الذي لا تزال ترفعه الجماعات العنفية حتى اليوم، ثم اغتيل عليٍّ، ومع ذلك لم يتوقف الصراع سوى العشرين عامًا التي حكمها معاوية (40: 60هـ) وتبعه ابنه يزيد، الذي كان عليه أن يواجه انشقاق عبد الله بن الزبير بن العوام الذي أخذ البيعة في الحجاز واستمرت تسع سنوات، وهو من بطن بني أسد بن عبد العزى في قريش، بطن صغير، لكن عبد الله أخذ قوته من كون أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وجدته لأمه صفية بنت عبد المطلب (عمَّة النبي)، وهو ما جعل له نسبًا مع آل البيت، حيث حاربه بجيش قاده الحجاج بن يوسف وهدم عليه الكعبة التي تحصن بها، وسارت الأمور بعدها من حرب إلى حرب، وأغلبها صراعات على السلطة والحكم.
الفتنة الكبرى قسَّمت المسلمين إلى فرق متناحرة
وشدد “درويش” على أن أهم ما فعلته الفتنة أنها قسَّمت المسلمين إلى فرق متناحرة، الخوارج خرجوا على عليٍّ وكانوا الأكثر تشددًا حيث كفَّروا الناس، وأبرز فرقهم لاحقًا الأزارقة والنجدات والإباضية (باقية حتى اليوم)، وظهرت الشيعة التي بدأت كتيار سياسي يؤيد عليٍّ، وهم من غلوا في عليٍّ واعتبروه منزَّهًا، وانقسمت إلى الزيدية والإمامية الاثنا عشرية والإسماعيلية، كما ظهرت المُرجئة كرد فعل على الخوارج، وقد رفض أنصارها التكفير وأرجأوا الحكم على مرتكب الكبيرة ليوم القيامة، كانوا أقرب إلى القول إن “الإيمان بالقلب دون العمل”، وصاروا نواة للفرق الكلامية مثل الأشاعرة والماتريدية.. وانقسم المسلمون مذاهب وفرقًا لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم.إذن، فقد تحوَّل الصراع السياسي على أحقية أي بطون قريش بالحكم، إلى نزال عسكري أريقت فيه دماء غزيرة، قبل الفتنة وأثناءها وبعدها حتى انتهاء خلافة الفاطميين، لكن الوجه الأخطر أنها تحولت إلى تسييس الدين فتطور في بعض مشاهده إلى العنف، حيث ترى كل فرقة أنها على الحق المطلق، ومن دونها على الخطأ المطلق، وأعطت نفسها حق قتل من يخالفها دون رحمة، وهو ما نزال نعاني منه حتى اليوم.