سمير الأمير: الفتنة الكبرى لا تزال تنخر في عقولنا حتى اليوم (حصري)

المتابع للمشهد السياسي العربي خلال العقدين المنصرمين، لا يمكنه بحال من الأحوال فصله عن مشهد الفتنة الكبري، التي جرت أحداثها قبل أكثر من 1400 سنة في زمن الخلافة والذي امتدت آثاره بل ومشاهده إلى الألفية الميلادية الثانية. “الدستور” تفتح الملف الشائك لحكايات الدم يرويها كتاب ومثقفين. بداية قال الشاعر سمير الأمير: “في ظني أن أحداث الفتنة الكبرى ما زالت تعشش للأسف في أدمغتنا حتى الآن وتتسبب في إهمالنا لقضايانا الراهنة وفي إعادة إنتاج الخلاف حول ما حدث منذ مئات السنين”.
الفتنة الكبرى ما زالت تعشش في أدمغتنا حتى الآن
وأضاف: قد جرت محاولات عديدة من جانب مفكرين ومجددين عظام مثل الدكتور طه حسين والدكتور نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون والدكتور محمود إسماعيل صاحب كتاب “سوسيولچيا الفكر الإسلامي”، لتطوير فهم تاريخي وعلمي لما حدث باعتباره صراع بشري حول مصالح ومزايا سياسية وطبقية ولكن تم التصدى لتلك المحاولات من قبل الفقهاء ليس بالنقاش حولها ولكن بتكفير أصحابها، لأن هؤلاء الفقهاء لأسباب سياسية ومصالح أيضا لا يريدون للعقل أن يسيطر على هذه الفتنة وعلى مظاهر إعادة انتاجها في العصر الحديث، ولا يريدون للناس أن تعلم حقيقة أن الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم لا يخرجهم منه اختلافهم حول الصحابة الذين هم رجال يؤخذ منهم ويرد عليهم وبالتالي فإن كل ما فعله المسلمون بعد الرسول الكريم هو اجتهادهم أو دفاعهم عن مصالحهم ولا شأن لقضايا الإيمان والكفر بذلك.وتابع “الأمير”: علينا أن نكف عن هذا (التخلف) الذي جعلنا أمة ماضوية لا تتجاوز صراعات الماضي بينما تمضي لاهية عن مشاكل حاضرها وربما ينعكس ذلك جليا في أننا أيضا مازلنا نقيم الدنيا ونقعدها حول شخصيات تاريخية أخرى لا شأن لها بواقعنا الآن.
إنتاج الفتنة الكبري من جديد
واستكمل: منذ سقوط بغداد وصعود الدور الإيراني في المنطقة جرت محاولات لإعادة إنتاج الصراع السني الشيعي وكادت تنجح لولا أن بعض أجنحة الشيعة وعقلاء من السنة على رأسهم أزهريون مصريون واجهوا تلك المحاولات فخفت صوتها قليلا ولا سيما بعد دحر العدوان الصهيوني على لبنان في 2006 وأيضا بعد ما حدث في السابع من أكتوبر 2023 حيث تنبه الجانبان لخطورة مشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف لتقسيم المنطقة لكتونات دينية وطائفية لكي لا تبقى إسرائيل استثناء ككيان ديني وعنصري.ولفت إلي: هذا الوعي الذي نشأ مؤخرا يمكن أن يعيننا على التخلص من هذا الإرث الذي يعطل العقول في الأمة العربية والإسلامية وهو الأمر الذي يجعلنا لا نمكن عدونا من إعادة إنتاج الفتنة الكبري على أسس طائفية ودينية لكي يستمر في احتلال أراضينا، بينما يظل الأمر في جوهره اختلاف سياسي بين مسلمين لا يخرجهم جميعا حتى وان اختلفوا حول صحابة رسول الله لأن هؤلاء الصحابه أنفسهم قد اختلفوا وتصارعوا واقتتلوا لدرجة أن المعركه بين السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله وعلي ابن أبي طالب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم مات فيها ما يقارب الـ 20.000 مسلم.. ثم ما جرى بعد ذلك في حادثة مقتل عثمان.واختتم: “يقول الدكتور طه حسين في هذا الصدد: “والشيء الذي لا يمكن أن يتعرض للشك هو أن المسلمين قد اختلفوا على عثمان وأن هذا الاختلاف قد انتهى إلى ثورة قتل فيها عثمان وأن هذه الثورة قد فرقت المسلمين تفريقا لم يجتمعوا بعده إلى الآن”.أي أن الدكتور طه حسين أيضا اعتقد أننا لازلنا نعيش أحداث الفتنة الكبري حتى الآن وهي نفس الفكرة التي يدور حولها هذا التحقيق الصحفي الذي تجريه صحيفة الدستور”.