الأحمد لـ “الدستور”: أحداث السويداء تعكس فوضى عارمة تشهدها سوريا بسبب انهيار الدولة.

الأحمد لـ “الدستور”: أحداث السويداء تعكس فوضى عارمة تشهدها سوريا بسبب انهيار الدولة.

أكد المحلل السياسي السوري طارق الأحمد، أن الاشتباكات الجارية في محافظة السويداء جنوب سوريا لا تعبّر عن مواجهة بين قوات نظامية وجماعات مسلحة، بل انعكاس لفوضى خطيرة تعيشها البلاد نتيجة انهيار مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش السوري. وأوضح طارق الأحمد في تصريحات خاصة لـ”الدستور”، أن التصريحات الرسمية التي تتحدث عن تدخل الجيش السوري في السويداء غير دقيقة، لأن ما يوجد على الأرض لا يمكن وصفه بقوات جيش نظامي، بل أشبه بمجموعات غير منظمة تحركها تعبئة دينية وطائفية.

 النظام الجديد قضى على ما تبقى من الجيش السوري

وأشار الأحمد إلى أن الجيش السوري، الذي تأسس منذ عهد الاستقلال ليكون جيش الوطن، تم تدميره بالكامل خلال العقود الماضية، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي، ثم جاء النظام الجديد ليقضي على ما تبقى من هذا الجيش عبر تسريح عناصره من مختلف الطوائف، رغم أن الجيش كان في الأساس رمزًا لوحدة البلاد. وأكد أن ما يجري اليوم هو نتيجة مباشرة لحل هذا الجيش، الذي كان من الممكن إعادة تكوينه بعد الحرب لو توفر القرار السياسي والإرادة الوطنية.وبيّن “الأحمد” أن التشكيلات الموجودة حاليًا في مناطق الاشتباك ليست جيشًا، بل مجموعات تُوصف في اللغة الدارجة بـ”الفزعة”، أو جموع تم حشدها من المساجد بدوافع سلفية، ولفت إلى أن عددًا من هؤلاء ينتمون لتنظيمات مصنفة إرهابية عالميًا مثل جبهة النصرة، وهم غير مؤدلجين ويفتقرون لأي انضباط عسكري، ويحملون في داخلهم كراهية طائفية خطيرة.

 ما حدث في السويداء لا يمكن قبوله وطنيًا أو أخلاقيًا

 واعتبر السياسي السوري أن ما حدث في السويداء لا يمكن قبوله وطنيًا أو أخلاقيًا، خاصة بعد تداول صور تُظهر دوس صورة سلطان باشا الأطرش، القائد التاريخي للثورة السورية الكبرى، والذي لم يكن يمثل السويداء فقط بل سوريا كلها. وشدد على أن الإساءة لهذا الرمز الوطني تعتبر إهانة لكل مكوّنات المجتمع السوري.

 أحداث السويداء السويداء تشبه إلى حد بعيد وقائع مجازر الساحل في مارس الماضي

ورأى “الأحمد” أن ما جرى في السويداء يشبه إلى حد بعيد ما حدث في مجازر الساحل في مارس الماضي، حيث دخلت مجموعات كبيرة لا تنتمي إلى أي جيش نظامي، بعضها قادم من المساجد، وبعضها الآخر يحمل فكرًا سلفيًا متطرفًا. وتساءل كيف يمكن أن تدخل أعداد ضخمة، قُدرت بنحو نصف مليون شخص، إلى الساحل وترتكب مجازر دون أن تكون هناك محاسبة مؤكدا أن هذا النمط يتكرر الآن في السويداء.

المسؤولية الأساسية تقع على عاتق السلطة السياسية في سوريا، التي اختارت تفكيك الجيش بدل إعادة بنائه

وشدد “الأحمد” على أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق السلطة السياسية في سوريا، التي اختارت تفكيك الجيش بدل إعادة بنائه، مشيرًا إلى أن من كانوا عناصر في هذا الجيش قد سلموا أسلحتهم في مرحلة ما وكان يمكن إعادتهم للخدمة ضمن مشروع وطني جامع، ولكن بدلًا من ذلك تُركت البلاد لمجموعات مسلحة لا تلتزم بأي معيار قانوني أو أخلاقي. وأوضح أن الجيش الوطني الحقيقي لا يقتل الأطفال، ولا يسب النساء، ولا يهين كرامة المواطنين، مؤكدًا أن كل الحملات الدعائية التي تصف الجيش السوري بأنه جيش طائفي أو تابع للنظام السابق ما هي إلا جزء من بروباجندا سلفية جهادية هدفها شيطنته وتشويه صورته أمام الرأي العام.وأضاف أن ما يحدث اليوم، سواء في السويداء أو في أماكن أخرى، هو نتيجة مباشرة لهذه السياسات الخاطئة، حيث أصبحت الدولة تدفع ثمن تفكيك جيشها، كما دفعت هذا الثمن في مجازر الساحل، وفي التفجيرات التي استهدفت الكنائس، وها هي تدفعه الآن من جديد في الجنوب السوري.

سوريا بحاجة ماسة إلى مشروع سياسي جديد يعيد بناء الدولة على أسس وطنية جامعة

وأكد الأحمد  أن سوريا بحاجة ماسة إلى مشروع سياسي جديد، يعيد بناء الدولة على أسس وطنية جامعة، بعيدًا عن الطائفية والتطرف، ويضمن وحدة البلاد ومؤسساتها، قبل أن تنزلق البلاد نحو مصير أكثر خطورة.

 

وأكد المحلل السياسي السوري طارق الأحمد أن الحديث عن وجود “قوات حكومية” على الأرض لا يستند إلى واقع فعلي، مشيرًا إلى أن ما هو موجود اليوم لا يرتقي إلى معايير الجيوش النظامية المعروفة. وقال إن ما بقي من قوات تُستخدم تحت مسميات مختلفة مثل “الأمن العام”، لا يمثل تشكيلًا حكوميًا حقيقيًا، بل هو بقايا مجموعات تم تجميعها لأغراض أمنية مؤقتة، وتفتقر إلى الكفاءة والتنظيم والانضباط العسكري، وهي بعيدة كل البعد عن نموذج الجيوش الرسمية في أي دولة.وأشار الأحمد إلى أن ما يحدث الآن في السويداء هو فخ وقعت فيه السلطة، فخ تصعيد لم تكن مستعدة له، ولا يبدو أن لديها رؤية حقيقية للخروج منه. واعتبر أن أي محاولة لحسم هذه الأزمة ميدانيًا ستكون محكومة بالفشل، لأن الحل الحقيقي لا يمكن أن يكون عسكريًا، بل سياسيًا. وأضاف أن الخروج من هذا النفق يتطلب تغييرًا جذريًا في بنية النظام السياسي، عبر شراكة حقيقية مع القوى الوطنية، وبما يفضي إلى بناء سلطة تحظى برضا شعبي حقيقي، وهو ما لا يتوفر في الوضع الراهن.

 سبب خوف سكان السويداء من دخول القوات الحكومية

وفي تفسيره لسبب خوف سكان السويداء من دخول القوات الحكومية، أكد “الأحمد” أن هؤلاء لا يرون في هذه القوات من يمثل دولتهم أو جيشهم، ففي الماضي كان الجيش العربي السوري يضم عددًا كبيرًا من أبناء السويداء.أما اليوم، فإن هذه المدينة لا ترى في القادمين إليها سوى عناصر من ميليشيات طائفية، أو من مقاتلين أجانب تم تجنيدهم من جنسيات غير سورية، بينما يتم تهميش الضباط والعناصر السوريين النظاميين. وسأل كيف يمكن لسكان السويداء أو حتى دمشق والساحل أن يشعروا بالأمان في ظل وجود تشكيلات عسكرية تضم عناصر تحمل الفكر السلفي الجهادي، وبعضهم من الشيشانيين والطاجيك والمقاتلين المتطرفين، في حين يُترك الضباط السوريون في منازلهم.

الأحمد: ما يجري في سوريا تتحمل مسؤوليته أطراف إقليمية متعددة

وفي ما يتعلق بالدور الخارجي، أكد الأحمد أن ما يجري في سوريا تتحمل مسؤوليته أطراف إقليمية متعددة، من إسرائيل إلى تركيا وبعض الدول العربية، التي إما أنها تتغاضى عن الأخطاء أو تستغلها لخدمة مصالحها. وشدد على أن هذه القوى مسؤولة، سواء بالفعل أو بالصمت، عن الدماء التي تُسفك في سوريا. وأشار إلى أن الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي ينتمي إليه، دعا منذ بداية الأحداث إلى تشكيل قوة عربية تكون بمثابة نواة لضمان أمن السوريين، مؤكدًا أن وجود عناصر عربية في أي قوة أمنية أو عسكرية، سواء من مصر أو السعودية أو العراق أو الجزائر، سيعزز ثقة المواطن السوري ويمنحه شعورًا بالأمان أكثر من رؤية مسلح أجنبي متشدد.

سيناريو السويداء قد يتكرر في الرقة ودير الزور وحلب

كما عبّر “الأحمد” عن مخاوف حقيقية من امتداد التصعيد إلى مناطق أخرى، محذرًا من أن سيناريو السويداء قد يتكرر في الرقة ودير الزور وحلب، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وقال إن البلاد دخلت مرحلة خطيرة جدًا من الشحن الطائفي والانقسام المجتمعي، مشيرًا إلى أن المجازر التي وقعت في الساحل، رغم التراجع الإعلامي حولها، لا تزال آثارها قائمة، والانتهاكات مستمرة، والثقة بين المكونات منعدمة.وأعرب عن قلقه العميق من موجة هجرة قد تطال الطائفة المسيحية في سوريا، كما حصل سابقًا في العراق، مشددًا على أن خروج المسيحيين من البلاد سيكون ضربة قاتلة للنسيج السوري الفريد. وأضاف أن هذا الأمر يهدد هوية سوريا بالكامل، ويحول المشرق العربي إلى ساحة صراع مذهبي يمتد لعقود طويلة. وقال إن غياب التنوع الديني والثقافي سيؤدي إلى حالة من الانغلاق والانفجار الداخلي، تُضعف المنطقة بأسرها.

 سوريا أصبحت على حافة التحول إلى ساحة صراع إقليمي واسع،

وختم الأحمد بالتأكيد على أن سوريا أصبحت على حافة التحول إلى ساحة صراع إقليمي واسع، إذا لم يتم تدارك الوضع سريعًا. ودعا الدول العربية إلى التحرّك العاجل، وعدم الركون إلى المبادرات الأمريكية أو التعامل ببرود مع العدوان الإسرائيلي، لأن هذه القوى الخارجية لديها حساباتها ومصالحها الخاصة، في ظل اشتداد المواجهات الدولية في أوكرانيا وتنامي التوتر مع الصين والحرب المفتوحة مع إيران. وأشار إلى أن النيران التي بدأت في سوريا قد تمتد إلى تركيا ودول الخليج، بل وحتى مصر ودول عربية أخرى، ما لم يُبادر الجميع إلى حماية ما تبقى من استقرار في المنطقة.