رفض كبير لمشروع “المدينة الإنسانية” في غزة: “سجن للفلسطينيين”

أشعلت الخطة الإسرائيلية الرامية لنقل سكان قطاع غزة إلى ما سمى بـ«المدينة الإنسانية» موجة غضب وانتقادات حادة، فى ظل ما توصف به من أنها تمهيد لتهجير قسرى واسع النطاق.وكشف وزير الدفاع الإسرائيلى، يسرائيل كاتس، عن تفاصيل هذه الخطة، موضحًا أنها تقوم على إنشاء منطقة مغلقة فى جنوب قطاع غزة على أنقاض مدينة رفح الفلسطينية، خلال هدنة محتملة مدتها ٦٠ يومًا.وتستهدف الخطة فى مرحلتها الأولى نقل نحو ٦٠٠ ألف فلسطينى من منطقة «المواصى» إلى المنطقة الجديدة، بعد فحص أمنى، ولن يُسمح لهم بالمغادرة بعد ذلك، مع إقامة ٤ مراكز لتوزيع المساعدات تديرها منظمات دولية، على أن يُنقل جميع سكان غزة إليها لاحقًا، وفق تصريحات «كاتس».وأضاف وزير الدفاع الإسرائيلى أن «إسرائيل تسعى للحصول على شركاء دوليين لإدارة المنطقة»، مشيرًا إلى أن «الجيش الإسرائيلى سيتولى تأمين المنطقة المحيطة، لكنه لن يدير الموقع الجديد المُقترَح، ولن يوزع مساعدات».ويحظى مشروع «المدينة الإنسانية» بدعم رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ويُعدّ رفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة التى حددها «كاتس» لإنشاء المخيم، نقطة خلاف فى المفاوضات المتعثرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية.وأشعلت الكلفة المتوقعة لهذه الخطة، التى تتراوح بين ١٠ و٢٠ مليار شيكل «٣ إلى ٦ مليارات دولار»، الغضب الشعبى الداخلى فى إسرائيل، مع تزايد الكلفة الاقتصادية للحرب المستمرة منذ قرابة عامين.ورأى رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، إيهود أولمرت، أن «المدينة الإنسانية» ستكون معسكر اعتقال للفلسطينيين، وإجبار السكان على دخولها سيكون بمثابة تطهير عرقى، مضيفًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية: «إسرائيل ترتكب بالفعل جرائم حرب فى غزة والضفة الغربية، وبناء هذه المدينة سيمثل تصعيدًا خطيرًا للحرب».وقال القيادى فى حركة «فتح»، جهاد الحرازين، إن ما يتم الحديث عنه تحت شعار مُغلَف بالإنسانية، الهدف منه تهجير الفلسطينيين، مؤكدًا أن «مخطط التهجير هو رغبة مُلِحة لدى الحكومة الإسرائيلية».وأضاف «الحرازين»: «قطاع غزة تحول إلى سجن كبير لأكثر من نصف مليون فلسطينى، فى ظل القتل والإبادة والتجويع، فضلًا عن سيطرة إسرائيل على منطقة شمال غزة وجميع المناطق الحدودية الشرقية، وإصدارها إعلانًا بعدم الدخول إلى القطاع عن طريق البحر».واستنكر المستشار الإعلامى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» فى غزة، عدنان أبوحسنة، بشدة المخططات الإسرائيلية لإنشاء «مدينة إنسانية» فى جنوب القطاع، مؤكدًا أنها ستكون بمثابة معسكرات اعتقال جماعية للفلسطينيين.وأوضح «أبوحسنة» أن الاحتلال الإسرائيلى يخطط لتنفيذ هذا الهدف منذ وضع نقاط توزيع المساعدات فى جنوب غزة، لكن هذه المرة تم الإعلان بشكل صريح عن المساعى الإسرائيلية الرامية لتهجير أهالى القطاع قسرًا إلى معسكرات اعتقال جماعية فى رفح، تمهيدًا لتهجير الفلسطينيين خارج أرضهم.وأضاف مسئول «أونروا»: «هذه المساعى تؤكد أن إسرائيل ما زالت متمسكة بتهجير سكان غزة»، معربًا عن أسفه الشديد من الضغوطات الهائلة التى تمارسها سلطات الاحتلال على الشعب الفلسطينى، وسط انعدام المساعدات، وانهيار المنظومة الصحية، ونفاد الوقود، فى محاولة لتهجير أهالى القطاع بشكل طوعى.وحذر من تداعيات تنفيذ هذا المخطط، وإجبار الفلسطينيين على الذهاب إلى تلك المنطقة المدمرة بالكامل، والتى لا تسع لاحتواء ٢ مليون فلسطينى فى ٦٠ كم مربعًا من غزة، مع انعدام الحياة وآفاق المستقبل بالنسبة لهم.ولم يختلف فى الرأى مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، الذى قال إن ما يسمى «المدينة الإنسانية» فى جنوب غزة، تستهدف تجميع سكان القطاع تحت حراسة جيش الاحتلال، وتعد بمثابة جريمة تطهير عرقى.وأضاف «الشوا» أن «مؤسسة غزة الإنسانية» شريك للاحتلال الإسرائيلى فى التخطيط لإنشاء مراكز تجميع السكان فى منطقة رفح، التى دمرها الاحتلال على مدى شهور، مشددًا على أن «هذه الخطة ستؤدى إلى تعميق أزمة النازحين».وواصل: «أجندة إسرائيل السياسية تهدف إلى احتلال قطاع غزة بشكل كامل، وتدمير ما تبقى من منظومة الحياة فيه»، داعيًا المجتمع الدولى إلى رفض تلك الخطة، التى تأتى فى إطار جرائم التطهير العرقى، وهدفها واضح هو الدفع تجاه تهجير المواطنين الفلسطينيين.وثمن القيادى فى حركة «فتح» الفلسطينية، ياسر أبوسيدو، موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى الرافض أى مخططات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، واصفًا إياه بالقوى والشجاع.وقال «أبوسيدو»: «مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، نسخة جديدة من تصريحات شيمون بيريز، التى قال فيها: (هناك شعب زائد يجب إزالته)، فى إشارة إلى الشعب الفلسطينى».وأضاف القيادى فى «فتح»: «إسرائيل لا تألو جهدًا فى ممارسة الانتهاكات الصارخة بحق أهالى غزة، فى محاولة لتهجير الشعب الفلسطينى بشكل طوعى من أرضه»، مُطالبًا فى الوقت نفسه بموقف قوى لوقف العدوان المستمر على الشعب الفلسطينى منذ سنوات... وتقارير عبرية: التوصل إلى اتفاق هدنة مع «حماس» يلغى المخططكشفت مصادر إسرائيلية عن أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أبدى استعدادًا للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة وتقديم مقترح مُحسن، فى مفاوضات التهدئة التى لا تزال جارية فى العاصمة القطرية الدوحة.ووفقًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، قالت مصادر مطلعة فى المجلس الوزارى الأمنى المصغر فى إسرائيل، أمس، إنه فى حال تم التوصل إلى اتفاق، فلن تُقام مدينة إنسانية فى رفح جنوبى قطاع غزة، ولن تتم إقامة منطقة إنسانية هناك وفق ما أعلن سابقًا، مضيفة أن «نتنياهو» بات مستعدًا للتنازل عن أمور لم يكن يقبل بها سابقًا، وعازم على التوصل إلى اتفاق.وأضافت المصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلى على استعداد لإبداء مرونة بشأن انسحاب الجيش الإسرائيلى من محور موراج- الممتد من شرق القطاع إلى غربه، فاصلًا بين مدينتى رفح وخان يونس، رغم معارضته السابقة لذلك، وأن هناك اتصالات نشطة تجرى حاليًا فى الدوحة، حيث تعمل الفرق المفاوضة بشكل مكثف وتتناقش حول خرائط انسحاب محدّثة.ولفتت المصادر إلى أنه فى حال عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال اليوم أو اليومين المقبلين، فإن المفاوضات قد تمتد لبضعة أيام إضافية؛ من أجل التوصل إلى اتفاق، فيما تتكثف الجهود الدولية والإقليمية لوقف التصعيد وتحقيق اختراق فى المفاوضات التى تتعلق بالتهدئة وإطلاق سراح لأسرى والمحتجزين وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.واجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلى مع وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، أمس الأول، حيث أكد له أنه سيفى بوعده، وأن التخطيط للحرب مع إيران الشهر الماضى كان سبب الفشل فى تلبية توقعات «سموتريتش» السابقة بتدمير حركة حماس فى قطاع غزة.وقال: «بعد الهدنة سننقل السكان فى قطاع غزة إلى الجنوب وسنفرض حصارًا على شمال غزة».ويسعى وزير المالية الإسرائيلى للحصول على ضمانات من «نتنياهو» بأن الحرب فى غزة ستستأنف بكامل قوتها بعد انتهاء وقف إطلاق النار.وأشارت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إلى أن «سموتريتش» ووزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير، هددا بالانسحاب من الحكومة إذا تم التوصل إلى أى اتفاق ينهى الحرب فى غزة أو استمرار «حماس» فى السلطة بالقطاع، مبينة أن «نتنياهو» طرح فى اجتماعات مغلقة خطة إسرائيل لفصل المدنيين فى قطاع غزة وحصرهم فى شريط جنوبى القطاع؛ للسماح باستمرار الصراع بعد هدنة مؤقتة.