فنانة تشكيلية: الحرف التقليدية تصمد أمام خطر الزوال

فنانة تشكيلية: الحرف التقليدية تصمد أمام خطر الزوال

 الحرف التقليدية والتراثية هي جزء لا يتجزأ من التاريخ الشعبي للمصريين، جزء من التاريخ الممتد للمناخ والبيئة التي عاشوا فيها، ويعمل الباحثون المصريون المشتغلين بجمع التراث على رصد تلك المهن والصناعات التقليدية للحفاظ على ذلك الجزء المطمور من تاريخ المصريين.وعن الصناعات التقليدية التي تقاوم الاندثار تحدثنا الفنانة التشكيلية والباحثة سمر عناني في التالي: قالت الفنانة التشكيلية وباحثة التراث الشعبي سمر عناني، في تصريحات خاصة لـ”الدستور”، إن الحرف اليدوية والصناعات التقليدية تمثل أحد الركائز الأساسية في بناء المجتمعات الصغيرة، كونها ترتكز على خامات بيئية بسيطة، وأيدٍ عاملة ماهرة، قادرة على تحويل المادة الخام إلى منتج ذي طابع وظيفي وجمالي، يلبّي حاجة المجتمع ويعكس هوية بيئته.وأكدت “عناني” أن قوة هذه الحرف تنبع من تداخل الموهبة الفردية للحرفي مع عناصر البيئة المحيطة به، لتنتج أعمالًا تنطوي على لمسة إبداعية وحرفة دقيقة، غير أن بقاء هذه الصناعات وتطورها لا يعتمد فقط على المهارة، بل يتطلب توفر مجموعة من العناصر المتكاملة، مثل: وجود خامات أولية قابلة للتشكيل، وأدوات إنتاج مناسبة، وسوق نشط لتصريف المنتج وتسويقه. وفي حال اختل أي من هذه العناصر، يصبح مصير الحرفة التراجع أو حتى الاندثار.وأشارت “عناني” إلى مثال على ذلك، ما حدث لحرفة صناعة “قِرْبة السقّا”، التي كانت يومًا ما من ضروريات الحياة اليومية، قبل أن تحل محلها شبكات المياه الحديثة، وتتحوّل القِرْبة من وسيلة لتوفير الماء إلى قطعة تراثية تُقتنى كتذكار من زمن مضى.وأوضحت “عناني” أنه لا تزال الكثير من الحرف التقليدية تقاوم مصير الاندثار، رغم التحديات المتزايدة، ومن أبرز هذه التحديات: انخفاض أعداد الحرفيين المهرة بسبب عزوف الأجيال الجديدة عن تعلم الحِرف التي تحتاج وقتًا طويلًا ومردودًا ماديًا محدودًا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام، وغياب آليات التسويق، فضلًا عن اجتياح البدائل الآلية زهيدة الثمن، التي تتميز بسرعة الإنتاج، كبديل عن المنتجات اليدوية الدقيقة.واستكملت حديثها: فقد حلت النُسُج الآلية محل النسيج اليدوي والجوبلان، واستُبدلت الخيامية الشعبية بالطباعة الجاهزة، وتراجعت كراسي الجريد لصالح البدائل البلاستيكية، مما أسهم في تراجع كثير من المهن المرتبطة بالتراث.وأكدت “عناني” في مواجهة هذا التهديد، تحركت الدولة المصرية عبر مؤسساتها المعنية، للحفاظ على الموروث الشعبي والصناعات التراثية، إدراكًا لأهمية هذه الحرف في تشكيل الهوية الثقافية، فقد تم حصر أعداد الحرفيين، والاستعانة بهم لإقامة ورش تدريبية تستهدف الأجيال الجديدة، لضمان انتقال المهارات والخبرات واستمرار الحرف في الحياة اليومية.كما تم إنشاء مدينة “الكوثر” بمحافظة سوهاج، لتكون مركزًا متخصصًا يجمع حرفيي النسيج اليدوي، ويوفر لهم بيئة عمل مناسبة وداعمة للإنتاج والإبداع. وعلى صعيد آخر، كثفت الدولة من تنظيم المعارض المحلية والدولية، التي تسلط الضوء على إنتاج الحرفيين المصريين، وتساعدهم في تسويق منتجاتهم، وفي مقدمتها معرض “تراثنا” السنوي الذي أصبح نافذة مهمة لإحياء الصناعات اليدوية وتعريف الجمهور بها.وختمت “عناني”: تبقى الصناعات التقليدية شاهدًا حيًا على الإبداع المصري المتوارث، وجزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الجمعية والهوية الثقافية، ولا يمكن الحفاظ عليها إلا بتضافر الجهود المجتمعية والرسمية، وبتجديد الرغبة في تعلمها وتطويرها بما يتناسب مع العصر دون التخلي عن روحها الأصلية.