الحياة الجنسية في مصر القديمة: خصوصيات بلا محرمات وقواعد مبنية على الطهارة والرمزية

الحياة الجنسية في مصر القديمة: خصوصيات بلا محرمات وقواعد مبنية على الطهارة والرمزية

رغم وفرة ما كُتب عن الحضارة المصرية القديمة من نواحٍ دينية وسياسية واجتماعية، يبقى مفهوم  الجنس في مصر القديمة من المناطق القليلة التي خاضها الباحثون، وكأنها منطقة “محظورة” أو خارج حدود الاهتمام الأكاديمي، لذا يأتي كتاب “الحياة الجنسية  في مصر القديمة” لــ ليز مانيش  ليسد فجوة معرفية ويضيء جانبًا إنسانيًا بالغ الأهمية في حياة الفراعنة.

منبع الفكرة.. ومنبع النيل

يؤكد مترجم الكتاب، رفعت السيد علي، أن الكتب المتوفرة عن الحياة الجنسية في العالم القديم تُظهر الإغريق والرومان وكأنهم رواد التعبير عن الجنس ممارسةً ووصفًا، إلا أن الحضارة المصرية، الأقدم زمنًا، لم تكن بمعزل عن هذه المعارف. بل إن المصريين القدماء سجّلوا تفاصيل حياتهم الجنسية بالكلمة والصورة، على جدران المقابر والمعابد، في تعبير رمزي يحمل بُعدًا اجتماعيًا وثقافيًا وروحيًا.

موقف المصري القديم من الجنس

يرى المؤلف أن المصريين لم يتعاملوا مع الجنس كتابة أو فعل آثم، بل كغريزة طبيعية مرتبطة بالحياة والتجدد، لكنهم وضعوا لها ضوابط أخلاقية وروحية، ويُشير إلى ما ذكره المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت، الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، ودوّن مشاهداته عن حياة المصريين، ومن ضمنها الممارسات الجنسية، ناقلًا مشاهداته ومروياته عنهم. ورغم الجدل حول دقة ما نقله، فإن تلك الروايات كانت مصدرًا أوليًّا لفهم التصورات الغربية عن مصر القديمة.

الطهارة والجنس والمعابد

بحسب ما يورده الكتاب، اعتبر المصري القديم أن الطهارة البدنية شرط للقداسة، ولذلك نُهي عن ممارسة الجماع داخل المعابد، أو دخولها بعد الجماع دون التطهر، وهو ما يعكس إدراكًا مبكرًا لعلاقة الطهارة بالفضاء المقدّس.

الجنس والبغاء في الشرق القديم

يتطرق الكتاب أيضًا إلى موضوع البغاء المقدس، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة لم تكن حكرًا على حضارة دون أخرى، بل ظهرت في مناطق عدة من الشرق القديم مثل بابل والهند واليونان، أما في مصر القديمة، فلم يكن البغاء مرتبطًا بالمعابد بشكل واضح، إلا أن بعض الرموز الفنية قد توحي بوجود أشكال من العلاقات العابرة التي لا تخلو من حمولة دينية أو طقسية.

الحياة اليومية.. والرغبات المعلنة على الجدران

لوحات المقابر المصرية القديمة لم تكن مجرد توثيق لحياة ما بعد الموت، بل تضمنت مشاهد من الحياة اليومية، بعضها حميمية وصريحة. فالمغنيات بصدور عارية، والنساء في غرف النوم، والولادة، والرضاعة، والقابلات، كلها صور جسّدت رغبات الإنسان المصري في الدفء الإنساني والتكاثر والعلاقة بين الرجل والمرأة.وفي بعض الرسوم، تظهر المرأة في وضع القوة والرغبة، ما يكشف عن مساحة حرية نسبيّة في التعبير عن الجسد والأنوثة، تختلف تمامًا عن التصورات المغلقة التي شاعت لاحقًا في مجتمعات أخرى.

الزنا والعقوبة.. الخطوط الحمراء

رغم الانفتاح النسبي تجاه الجنس، فإن الزنا لم يكن مقبولًا اجتماعيًا، خاصة حين يتعلق الأمر بالمرأة المتزوجة، فالخيانة الزوجية كانت تُعد خرقًا أخلاقيًا جسيمًا قد تصل عقوبته إلى الإعدام، وهو ما يشير إلى أن ممارسة الجنس لم تكن بلا ضوابط، بل خضعت لمنظومة قانونية وأخلاقية متوازنة تحفظ للمرأة والرجل مكانتهما، وتحمي نسيج الأسرة.يكشف كتاب “الجنس في مصر القديمة” عن حضارة لا تنكر الغرائز، بل تسعى لتنظيمها وتقديرها ضمن سياق ديني واجتماعي، بعيدًا عن الكبت أو الانفلات. لم يكن المصري القديم أسيرًا للتابوهات، بل عاش جنسه كفعل إنساني طبيعي، يرتبط بالحياة والتجدد، لا بالخطأ والخطيئة.