لألا تتحول الهدنة إلى اتفاق هش يصطدم بعائق قوي!

في ظل المساعي الدولية الحثيثة لوقف نزيف الدم في الأراضي الفلسطينية، تبرز المبادرة الأمريكية الأخيرة التي تسعى إلى فرض وقف لإطلاق النار في قطاع غزة لمدة شهرين، كاختبار حقيقي لإرادة الأطراف الفاعلة، وقدرتها على تغليب الحلول السياسية على الخيار العسكري.وفي هذا السياق، حذر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، من خطورة التحركات التي تقوم بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإفشال الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى هدنة شاملة، تشمل قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء.وأشار أبو ردينة إلى أن الاحتلال يسعى، من خلال سياساته التصعيدية، إلى تقويض أي فرصة لنجاح المبادرات الدولية، وعلى رأسها المبادرة الأمريكية، عبر ارتكاب انتهاكات جسيمة في الضفة الغربية، حيث قامت قوات الاحتلال بتدمير آلاف المنازل في مخيمات جنين وطولكرم، وأجبرت سكانها على إخلائها بالقوة، في ظل تصاعد غير مسبوق في وتيرة إرهاب المستوطنين.وأضاف أن ما يجري في قطاع غزة لا يقل خطورة، حيث تواصل قوات الاحتلال ارتكاب مجازر مروعة بحق المدنيين، مستخدمة سياسة التجويع والقصف العشوائي، ما يعمق من الكارثة الإنسانية المتفاقمة، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.وتبقى التساؤلات مطروحة: هل تنجح الإدارة الأمريكية في انتزاع موافقة الأطراف المعنية على وقف إطلاق النار لمدة شهرين؟ وهل تملك واشنطن أدوات الضغط الكافية لإلزام إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية؟ أم أن المشهد مرشح لمزيد من التصعيد، في ظل غياب الضغوط الفعلية والعقوبات الرادعة؟في الوقت الراهن، يبدو أن نجاح هذه الجهود مرهون بمدى قدرة المجتمع الدولي على التحرك بفعالية، لوقف ما وصفه مسؤولون فلسطينيون بـ”الجرائم اليومية”، وفرض معادلة جديدة تضمن الحد الأدنى من الحماية للمدنيين، وإحياء المسار السياسي كسبيل وحيد للخروج من دوامة العنف المستمرة.”من الواضح أن المحاولات الأمريكية لفرض هدنة مؤقتة تصطدم بجدار صلب من التعقيدات الميدانية والسياسية، أبرزها غياب النية الحقيقية لدى الحكومة الإسرائيلية لوقف العمليات العسكرية، مقابل رغبة أمريكية في احتواء التوتر، لا لإنهائه جذريًا. ورغم الزخم الإعلامي والسياسي الذي تحيط به واشنطن مبادرتها، إلا أن نجاحها يعتمد بدرجة كبيرة على قدرتها في ممارسة ضغط فعلي، لا مجرد دعوات دبلوماسية.إسرائيل ترى في أي وقف لإطلاق النار فرصة لإعادة ترتيب أوراقها ميدانيًا، لا بوابة لحل سياسي دائم. في المقابل، تسعى القيادة الفلسطينية لتثبيت هدنة تؤدي إلى معالجة جذور الأزمة، لا فقط نتائجها المؤلمة. وهذا التباين في الأهداف يجعل من أي هدنة مؤقتة، ما لم تُرفق بإطار سياسي واضح، مجرد هدنة هشة قابلة للانهيار في أي لحظة.
كما أن استمرار التغاضي الدولي عن جرائم الحرب والانتهاكات في الضفة الغربية، يُفقد أي مبادرة مصداقيتها، ويعزز الشعور لدى الفلسطينيين بأن العدالة ما زالت مؤجلة.في المحصلة، يمكن القول إن أي نجاح أمريكي في تحقيق وقف إطلاق نار لمدة شهرين سيظل جزئيًا ومؤقتًا، ما لم يتحول إلى مقدمة لمسار سياسي جاد، يضع حدًا للاحتلال، ويؤسس لحل نهائي قائم على العدالة وقرارات الشرعية الدولية