إعادة إحياء المصانع الكبرى في فترة الرئاسة

إعادة إحياء المصانع الكبرى في فترة الرئاسة

عاشت شركات قطاع الأعمال العام لسنوات طويلة حالة من التهميش والإهمال، حتى بات كثير منها عبئًا على الدولة بدلًا من أن تكون ركيزة للإنتاج الوطنى. فالقلاع الصناعية الكبرى التى كانت تمثل رمزًا للاقتصاد المصرى منذ منتصف القرن العشرين، مثل مصانع الغزل والنسيج، الحديد والصلب، الكيماويات، الأدوية، وغيرها، شهدت تراجعًا متسارعًا فى الأداء، وتآكلًا فى البنية التحتية، وتدهورًا فى أوضاع العمالة، بسبب غياب الرؤية وتراكم الخسائر وأصبحت بعض المصانع تعمل بنصف طاقتها أو أقل، وتوقفت أخرى تمامًا، وسط صمت إدارى واستهلاك مفرط للموارد دون عائد.لكن مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية الحكم، تغير المشهد تمامًا. فقد وضع الرئيس ملف الصناعة، خاصة شركات قطاع الأعمال العام، ضمن أولويات الدولة، باعتباره ركيزة أساسية لأى نهضة اقتصادية حقيقية وأدرك أن مصر لا يمكنها الاعتماد على الاستيراد إلى ما لا نهاية، وأن الأمن القومى الاقتصادى يبدأ من المصنع، لا من الميناء، ومن هنا انطلقت أكبر عملية تحديث وإصلاح شاملة لهذه القلاع الصناعية، وفق رؤية استراتيجية تهدف إلى إحياء الصناعة الوطنية، واستغلال ما تملكه الدولة من أصول وأراضٍ ومصانع وعقول بشرية.لم تكن عملية الإصلاح تجميلية أو سطحية، بل جذرية وشاملة، بدأت أولًا بالتشخيص الصادق للواقع. تم رصد أوضاع الشركات بدقة، وتقييم أصولها، وقدراتها الفنية، والعمالة المتوافرة فيها، وإمكانات تطويرها ثم بدأ العمل وفق خطة ثلاثية هى تطوير البنية التحتية والمعدات، تطوير العنصر البشرى، وتطوير نظم الإدارة والحوكمة. وكانت البداية من القطاعات الأكثر تأثيرًا، وعلى رأسها قطاع الغزل والنسيج، الذى كان يوصف بأنه «الكنز المهدور» فى الاقتصاد المصرى.شهد هذا القطاع أكبر خطة تطوير فى تاريخه، شملت شراء أحدث الماكينات الأوروبية، وتحديث ٢٣ مجمعًا صناعيًا، ودمج الشركات الصغيرة والمتعثرة فى كيانات كبيرة وقادرة على الإنتاج بكفاءة، كما تم إنشاء كيانات متخصصة فى التسويق والبيع، وتم استقدام استشاريين دوليين لوضع خطة التحول، وإطلاق علامة تجارية وطنية جديدة للمنافسة فى الأسواق العالمية.ولم يتوقف التطوير عند قطاع الغزل، امتد إلى الصناعات الكيماوية، الدوائية، الهندسية، وتم إحياء شركات كانت قاب قوسين أو أدنى من الإغلاق، مثل النصر للسيارات التى تعود من جديد عبر مشروع تصنيع السيارات الكهربائية بالتعاون مع شركة صينية، لتدخل مصر عصر النقل الذكى صديق البيئة. كما جرى ضخ استثمارات كبرى فى تطوير مصانع الأدوية التابعة للشركة القابضة للأدوية، لتواكب المعايير العالمية فى التصنيع، وتلبى احتياجات السوق المحلية، وتفتح آفاقًا للتصدير.الأمر اللافت أن الدولة لم تعتمد فقط على التمويل المباشر، بل فتحت الباب أمام شراكات ذكية مع القطاع الخاص، وفق صيغة تحقق الاستفادة المتبادلة دون المساس بالملكية العامة فالشراكة فى الإدارة والتشغيل والاستثمار أصبحت سلاحًا فعّالًا لتطوير الشركات وتحقيق العائد. وفى الوقت ذاته، لم تغب الدولة عن المشهد، بل عززت من سيطرتها الرقابية والإشرافية لضمان حسن إدارة الموارد.واهتمت الدولة، كذلك، بإعادة تأهيل العنصر البشرى الذى كان يعانى الترهل وغياب التدريب، فتم إطلاق برامج تدريبية موسعة، ورفع كفاءة العاملين، وضخ دماء جديدة فى القيادات عبر اختيار كوادر ذات خبرة صناعية وإدارية حقيقية. كما أطلقت الوزارة مشروع التحول الرقمى داخل الشركات عبر تطبيق أنظمة الـERP لضبط العمليات، وتوفير قاعدة بيانات دقيقة وشفافة، تسهم فى اتخاذ قرارات مستنيرة وسريعة.وبدأت نتائج هذه الجهود تظهر على أرض الواقع. فشركات كانت تتكبد خسائر سنوية بالمليارات، تحولت إلى الربحية أو على الأقل قلّصت خسائرها بشكل كبير. ارتفعت الإنتاجية، وتحسنت جودة المنتجات، وبدأت بعض الشركات تستعيد مكانتها التصديرية تدريجيًا. وتم فتح أسواق جديدة فى إفريقيا والدول العربية، مع دعم الدولة الكامل فى اللوجستيات والترويج الخارجى، كما استعادت الصناعة الوطنية جزءًا كبيرًا من ثقة المستهلك المصرى، الذى بدأ يرى من جديد منتجات محلية تليق به.وتزامن هذا التطوير الصناعى مع رؤية عمرانية شاملة تبنتها الدولة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فتم استغلال الأراضى والأصول غير المستغلة، وتحويلها إلى مشروعات إسكان، أو مناطق لوجستية، أو صناعات تكميلية، بدلًا من تركها عبئًا ماليًا على الشركات. وتم تطبيق منهج جديد فى الإدارة يقوم على تعظيم العائد من كل أصل مملوك للدولة.ولا يمكن إغفال ما تم على صعيد الشفافية ومكافحة الفساد داخل هذه الشركات. فالإصلاح لم يكن تقنيًا فقط، حيث تم تفعيل نظم رقابة داخلية جديدة، ورفع كفاءة أجهزة المراجعة، ومنع تضارب المصالح، والتعامل بحسم مع أى تجاوز مالى أو إدارى، وهو ما خلق بيئة جديدة أكثر التزامًا، وأسهم فى تحسين صورة القطاع العام أمام المجتمع والمستثمرين.وفى النهاية، يمكن القول إن عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى شهد عودة حقيقية للقلاع الصناعية الكبرى التى كادت تُنسى، فقد استعادت الدولة دورها كصانع ومنتج ومطور، بعد عقود من التراجع. وعاد شعار «صُنع فى مصر» ليأخذ مكانته اللائقة على المنتجات الوطنية والأهم من ذلك، أن هذا التطوير لم يكن منعزلًا عن رؤية الدولة الشاملة للتنمية، بل جاء متسقًا مع كل ما يحدث من إصلاحات اقتصادية، ومشروعات بنية تحتية، وتحديث شامل للدولة المصرية، إنها عودة لم تكن سهلة، لكنها حتمية، لأن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها ومصانعها.