“القرنفل”: قصة أغنية تربط بين مؤسس أدب الخيال العلمي وعبدالحليم حافظ

“القرنفل”: قصة أغنية تربط بين مؤسس أدب الخيال العلمي وعبدالحليم حافظ

رغم مئات الأغاني التي قدّمها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، والعشرات من الشعراء والملحنين الذين تعاون معهم خلال مسيرته الفنية، إلا أن أغنية واحدة تميّزت بأنها من تأليف شخصية فريدة في تاريخ الأدب العربي، هو الدكتور يوسف عز الدين عيسي، رائد أدب الخيال العلمي في مصر. أغنية “القرنفل” التي قد لا يعرفها كثيرون، كانت واحدة من أوائل أعمال عبدالحليم، وتحمل خلفها حكاية غير معتادة جمعت الأدب بالغناء، والعلم بالفن.

من كلية العلوم إلى كتابة الأغاني

الدكتور يوسف عز الدين عيسى التحق بكلية العلوم بجامعة القاهرة عام 1934، وتخرج فيها عام 1938 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ليُعيَّن معيدًا بقسم الحيوان. نال الدكتوراه من جامعة شيفيلد البريطانية، كما اختارته منظمة “فولبرايت” أستاذًا زائرًا بجامعتي بركلي وإلينوي في الولايات المتحدة.لكن مسيرة يوسف عز الدين عيسي لم تكن علمية فقط، إذ كتب وأبدع في جميع الأجناس الأدبية: الرواية، القصة القصيرة، الشعر، المسرح، والدراما الإذاعية والتليفزيونية. وقد عُرف بأسلوبه السلس وأفكاره غير التقليدية، حتى صار من أوائل من أدخلوا الواقعية السحرية إلى الأدب العربي، وكُرّم بجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1987، كأول أديب مصري ينال الجائزة وهو يقيم خارج القاهرة، وتحديدًا في الإسكندرية. 

القرنفل.. عندما التقى العلم بالغناء

في مفاجأة من العيار الثقيل، كشف الكاتب الروائي الكبير مصطفى نصر، في تصريحات لـ”الدستور”، أن عبدالحليم حافظ غنّى في بداياته أغنية من كلمات الدكتور يوسف عز الدين عيسى، حملت عنوان “القرنفل”، ولحنها الموسيقار علي فراج.الأغنية لم تحقق شهرة واسعة، ولم تُضم إلى قائمة أشهر أعمال العندليب، لكنها تمثل لحظة استثنائية في تاريخه الفني، حيث التقى فيها صوت عبدالحليم بكلمات أحد أعلام الفكر العلمي والأدبي في مصر.

 

سكندريون في بدايات عبدالحليم

عبدالحليم حافظ ارتبط في بداية مشواره الفني بالإسكندرية وأدبائها، فقد غنّى أولى أعماله لكُتّاب وملحنين من المدينة الساحلية. من بينهم الشاعر أحمد السمرة، الذي كتب له: “بدلتي الزرقاء”، و”صحبة الورد”، و”أبو سنة دهب”، وجميعها ألحان سكندرية أيضًا.كما غنّى “بيني وبين قلبي حكاية” من كلمات محمد علي أحمد، و”ربما” التي تُعد من أجمل قصائد بداياته، من كلمات الشاعر ذاته، وتلحين محمود كامل. وكان محمد علي أحمد ضابط مرور في شارع فؤاد الأول، أمام نادي محمد علي بالإسكندرية، والذي تحول لاحقًا إلى قصر ثقافة الحرية، المكان الذي شهد ولادة عدد كبير من الأغاني والأسماء الفنية البارزة.

علاقة فنية وثيقة بالإسكندرية

العندليب غنّى أيضًا “أحتار خيالي” بالاشتراك مع شادية، من تأليف محمد علي أحمد وتلحين حسين جنيد، كما تعاون مع كمال الطويل في أغنية “لا تلمني”، ومحمد الموجي في “أحن إليك”، ورياض السنباطي في “لحن الوفاء”. وحقق شهرته الواسعة عبر أغنية “على قد الشوق” التي ظهرت في فيلم “لحن الوفاء”.وتنوعت أغنياته من كلمات شعراء سكندريين كـ”فات الربيع” من تأليف محمد علي أحمد وتلحين أحمد صبرة، و”يوم وارتاح” من تأليف وتلحين كمال الطويل. كذلك غنّى للملحن السكندري حسين جنيد عددًا من الأعمال منها: “أنا أهواك”، “بتقوللي إيه خلاني أحبك”، “يا إله الكون”، و”ذاك عيد الندى”، بأشعار مصطفى عبد الرحمن.

قصة لم تُروَ كثيرًا

أغنية “القرنفل” تظل واحدة من القصص التي لم تُروَ كثيرًا في حياة عبدالحليم حافظ، لكنها تكشف عن شبكة من العلاقات الفنية التي جمعت بينه وبين مبدعي الإسكندرية، وتحديدًا يوسف عز الدين عيسي المثقف الموسوعي الذي وحّد بين المختبر وصفحات الأدب، وترك بصمته حتى في سجل الطرب المصري.ربما لم تحقق “القرنفل” شهرة “جانا الهوى” أو “أهواك”، لكنها تظل دليلًا على اتساع أفق عبدالحليم وتنوع اختياراته في البدايات، حين كان يبحث عن صوته الفني بين كلمات الأدباء، لا سيما من خارج العاصمة.