نتنياهو وبداية عصر جديد من الصراع

نتنياهو وبداية عصر جديد من الصراع

خلال سنوات قالوا عنه إنه متردد فيما يخص العمليات العسكرية، وقالوا إنه يعرف كيف يتحدث أمام الكاميرات، وفوق منصات الأمم المتحدة عندما كان يقدم عرضًا مميزًا بالخرائط.. لكنه لن يتجرأ فى أى يوم على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وقالوا إن أمريكا لن تسمح لإسرائيل فى أى يوم بالذهاب إلى عملية تعرّض للخطر قواتها وحلفاءها فى الشرق الأوسط، وترفع إلى أرقام قياسية أسعار النفط.عام ٢٠٠٩، بدأت قصة نتنياهو مع الهوس بالنووى الإيرانى، عندما عاد حينذاك إلى سدة الحكم بعد ١٠ سنوات، فى تلك الفترة، عبّر عن رغبته الشديدة فى تدمير القدرة النووية الإيرانية، وحسب ما كتب إيلان كفير فى كتابه «العاصفة فى الطريق إلى إيران»: «القنبلة الإيرانية تحوّلت لدى نتنياهو إلى هوس. لقد آمن إيمانًا راسخًا بأنه إذا لم يتم تحييدها، فإن إسرائيل ستجد نفسها تحت تهديد وجودى حقيقى»، وأقسم كرئيسٍ لحكومة الشعب اليهودى «ألّا يسمح لإيران بالوصول إلى القنبلة، التى قد تؤدى إلى محرقة جديدة»، منذ ذلك الوقت أصبح نووى إيران هو مشروع حياة نتنياهو.وعندما عاد مرة أخرى إلى الحكم فى نوفمبر ٢٠٢٢ «بعد عام ونصف العام تشكلت فيها حكومة بينيت لابيد»، وفى خطاب العودة قال «اليوم أرد على كل من قال إن عهدى قد انتهى»، عندما اعتقد منافسوه السياسيون أنه لن يعود مرة أخرى إلى الحكم، والحقيقة أن هذه العبارة تناسبه الآن أكثر من أى وقت مضى، فهو أثبت لكل من استخف به بأن لديه الشجاعة على الذهاب إلى حرب استباقية ضد إيران، ونجح فى الحصول على الدعم المطلق من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.بعد الفشل الفظيع فى منع هجوم حماس فى «٧ أكتوبر»، فإن نتنياهو ينجح فى إعادة كتابة إرثه فى ١٣ يونيو، ويمكننا اعتباره أنه على رأس الفائزين فى الحرب بين إسرائيل وإيران.هذه هى حربه، الحرب التى دعا إليها نتنياهو منذ سنوات، وقرار تعريض الجبهة الداخلية فى إسرائيل لخطر غير مسبوق لهجوم صاروخى من إيران، كان قراره هو أيضًا، وهذه المرة كلنا استيقظنا على نتنياهو آخر يتخذ قرارات الحرب دون تردد، ويقول أمام الكاميرات أنا أعطيت أوامر الهجوم، وإذا كان الهجوم الأول فشل فكلنا نعلم أنه كان سيبحث عن «كبش فداء» أو بسهولة يدعى أن أحدًا لم يوقظه فى الوقت المناسب «مثلما برر فشل هجوم ٧ أكتوبر».ليس فقط نتنياهو هو الذى تغير من متردد إلى متخذ قرارات الحرب، لكن الحقيقة أن إسرائيل كلها تغيرت، ووصلت العقيدة الأمنية الجديدة فى تل أبيب إلى نقطة الذروة أو نقطة «الاشتباك»، والتى تتطلب الاستعداد للاشتباك الاستباقى والمحسوب.طوال أعوام، عاشت إسرائيل فى «وهم» بأنه يمكن إدارة الواقع الفوضوى فى الشرق الأوسط من المكاتب المكيفة، والوصول إلى الهدوء، عبر الامتناع عن الاشتباك، هذا ما أسموه «احتواءً» أو «إدارة صراع».وكانت التقييمات تقول حينذاك إن حماس «مرتدعة»، وحزب الله «ليست لديه نية» للهجوم. لكن شكّل هجوم «٧ أكتوبر» الموت العنيف لهذه النظرية، والصدمة القومية دمرت هذا الوهم، منذ ذلك الوقت، لم يكن التحول الجوهرى الأكبر فى إسرائيل عسكريًا فقط، بل على صعيد الرؤية أيضًا: فقد انتقلت إسرائيل من عقيدة الاحتواء إلى عقيدة الاستعداد للاشتباك فى أى وقت ومع أى جبهة قريبة أو بعيدة. عهد الاحتواء قد انتهى.. حرب إيران لن تكون الأخيرة، سنعيش أزمنة مليئة بالصواريخ الإسرائيلية.