لم تعد الميزانية لغزًا.. كيف تجاوزت “المالية” الفجوة بين الأرقام والمواطنين؟

لم تعد الميزانية لغزًا.. كيف تجاوزت “المالية” الفجوة بين الأرقام والمواطنين؟

في وقت تتعاظم فيه التحديات الاقتصادية وتتزايد فيه تطلعات المواطنين نحو إدارة أكثر عدالة وشفافية للمال العام، لم يعد من الممكن أن تبقى الموازنة العامة للدولة مجرد وثيقة تقنية لا يطّلع عليها إلا المختصون.فقد باتت الشفافية والمساءلة والمشاركة المجتمعية، اليوم، عناصر جوهرية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن.ومن هذا المنطلق، تسير وزارة المالية المصرية بخطى واضحة نحو ترسيخ نموذج جديد لإدارة المالية العامة، يقوم على إتاحة المعلومات، وتمكين المجتمع، وتطوير أدوات رقابية غير تقليدية.وعلى امتداد السنوات الأخيرة، تحوّلت الشفافية من التزام نظري إلى ممارسات مؤسسية ملموسة، ومن أبرزها ( مبادرة الموازنة التشاركية، نماذج الرقابة المجتمعية، وتحسين أدوات الإفصاح المالي)، ما أسهم في تحقيق تقدم ملحوظ في المؤشرات الدولية.

ويستعرض “الدستور” في هذا التقرير أبرز ما حققته وزارة المالية من خطوات جادة نحو إشراك المواطن في صنع القرار المالي، وكيف استطاعت مصر الانتقال إلى موقع متقدم عالميًا في مؤشرات الشفافية والمشاركة، وذلك وفقا لما ورد بمشروع الموازنة العامة الجديدة للعام 2025/2026 الذي أقره البرلمان قبل أيام.ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها الوزارة، إنشاء وحدة الشفافية والمشاركة المجتمعية عام 2018، لتكون حلقة وصل بين الحكومة والمواطنين، لإشراك فئات المجتمع المختلفة، خاصة الشباب والمرأة والأطفال، في إعداد الموازنة العامة للدولة، والتوعية بالقضايا الاقتصادية، وتحسين الخدمات العامة.الشفافية المالية وفق المعايير الدوليةووفقا لما أوضحته الموازنة الجديدة للدولة، تسعى وزارة المالية إلى تحقيق أعلى درجات الشفافية في إدارة الموازنة، وفقًا لمعايير دولية معتمدة مثل مسح الموازنة المفتوحة وصندوق النقد الدولي، بهدف الوصول إلى مؤشر شفافية 100/61.

 وفي هذا الإطار تنشر الوزارة بشكل دوري 8 تقارير رئيسية للموازنة، بالإضافة إلى ملخصات مبسطة لشرح أوجه الإنفاق، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، وقد ساهمت هذه الجهود في رفع مؤشر الشفافية إلى 100/49 في عام 2023، متجاوزة المتوسط العالمي والإقليمي. 

مشاركة المواطنين في صنع القرار المالي

فيما أطلقت الوزارة مبادرة “الموازنة التشاركية”، والتي تقوم على إشراك المواطنين في تحديد أولويات الإنفاق في محافظاتهم، وقد تم تطبيق النموذج بنجاح في محافظات الفيوم والإسكندرية، مما دفع الحكومة إلى إصدار قرار رسمي بتعميم التجربة على مستوى الجمهورية، ليتم ذلك بتعاون وزارة المالية مع وزارات التخطيط، والتنمية المحلية، والتضامن الاجتماعي، لضمان التكامل في التنفيذ داخل جميع المحافظات.ونتيجة لهذه الجهود، حققت مصر المركز الثامن عالميًا في مؤشر مشاركة الجمهور في مسح الموازنة المفتوحة لعام 2023، والأول عربيًا وإقليميًا، بعدما ارتفعت درجة المشاركة إلى 100/35 مقارنة بـ 100/19 في عام 2021.

 

المساءلة المجتمعية والرقابة الشعبية

بعد نجاح الموازنة التشاركية، صممت وزارة المالية بالتعاون مع شركاء دوليين نموذجًا للرقابة المجتمعية، بدأ تطبيقه في 6 محافظات، منها الفيوم، يهدف إلى تدريب المواطنين، خاصة الشباب، على متابعة تنفيذ مشروعات حقيقية في قرى “حياة كريمة”.
ويتم اختيار المشاركين بالتعاون مع المجتمع المدني ومكاتب المحافظين، لضمان تطبيق عملي وفعال.وبفضل هذه الجهود، ارتفع مؤشر الرقابة على الموازنة إلى 100/54 في 2023، بعدما كان 100/44 في 2021، لتتجاوز مصر المتوسط العالمي لأول مرة.
وتخطط الوزارة لمواصلة التقدم من خلال التنسيق مع مجلسي النواب والشيوخ. ودراسة نشر نتائج تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات للرأي العام، والتوسع في تطبيق نموذج الرقابة المجتمعية في محافظات جديدة مثل: بني سويف، المنيا، دمياط، وأسيوط.

شراكات فاعلة محليًا ودوليًا

ووفقا لما ورد ببيانات الموازنة الجديدة للعام 2025/2026 تعتمد وزارة المالية على بناء شراكات استراتيجية مع أكثر من 50 جهة محلية ودولية، من بينها جامعات، ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات دولية، بهدف تبادل الخبرات وتطوير أدوات التحليل المالي والاجتماعي، حيث تركز هذه الشراكات على دعم القطاعات الحيوية مثل الصحة، التعليم، الحماية الاجتماعية، وتنمية الطفولة المبكرة، إلى جانب تمكين الشباب ليكونوا جزءًا من عملية اتخاذ القرار.
وفي هذا السياق، تؤكد وزارة المالية أن الشفافية، والمشاركة المجتمعية، والرقابة، والشراكة المؤسسية، هي أدوات رئيسية لبناء اقتصاد قوي ومستدام. وتسعى من خلال هذه الجهود إلى تحقيق رؤية مصر 2030، لضمان أن تكون السياسات المالية أكثر عدالة، ومرونة، واستجابة لاحتياجات المواطن المصري.